وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة ١٣٦) ، والخطاب فيها لأمة الإسلام ، يعلّمهم ربّهم الإيمان ، وكما فى الشعار «الدين لله» ، فإن الإيمان هو التصديق بكل الأنبياء والرسل الداعين إليه تعالى ، وعن ابن عباس أنه جاء إلى النبىّ نفر من اليهود يسألونه عمن يؤمن به من الأنبياء ، فنزلت الآية تعولم الدين globalizing religion ، أى تجعله واحدا وعالمياuniversal ؛ قيل : البراهمة أتباع إبراهيم ؛ والسماعلة : أتباع إسماعيل ؛ والأساحقة : أتباع إسحق ؛ واليعاقبة أو الإسرائلية أتباع يعقوب أو إسرائيل ؛ والموسوية أتباع موسى ؛ والعيسوية أو النصارى أو المسيحيون : أتباع المسيح عيسى الناصرى ؛ فأما أتباع محمد : فهم الذين يؤمنون بالله ، وما أنزل إلى محمد ، وإلى إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط ، وما أوتى موسى وعيسى وسائر النبيين ، لا يقدّمون أحدا منهم على أحد ، ولا يعلون أحدا منهم على أحد ، وهم المسلمون لله ، ودينهم لذلك جماع كل الديانات السابقة ، ويوجزها ويحيط بها ويختمها ، وهو الإسلام ، ونقول : إن الإسلام يعولم الديانات ، أى يجعلها ديانة واحدة ، عالمية ، وجامعة شاملة ، ويجعل إلهها واحدا.
* * *
٤١٩. أمة الإسلام شهداء على الناس
فى الآية : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة ١٤٣) أن أمة الإسلام تتوسط الأمم ، فهى بين اليهودية التى قصّرت ، وبين النصرانية التى فرّطت ، ولذا كانت هى الأمة التى يمكن أن تشهد فى الآخرة على غيرها من الأمم ، كما أن الرسول صلىاللهعليهوسلم يكون هو الشاهد على أمة الإسلام. وعن أنس أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم مرّت به جنازة ، فأثنى الناس على صاحبها خيرا فقال النبى صلىاللهعليهوسلم : «وجبت» ثلاث مرات ؛ ثم مرّت جنازة فأثنوا على صاحبها شرّا ، فقال : «وجبت» ثلاث مرات ، ثم قال : «أنتم شهداء الله فى الأرض» قالها ثلاثا : «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار» ، وتلا قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة ١٤٣). وقال : «أعطيت أمتى ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء : كان الله إذا بعث نبيا قال ادعنى استجب لك ، وقال لهذه الأمة : ادعونى استجب لكم ؛ وكان الله إذا بعث نبيا قال له : ليس عليك فى الدّين من حرج ، وقال لهذه الأمة : وما جعل عليكم فى الدّين من حرج ؛ وكان الله إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه ، وجعل هذه الأمة شهداء على الناس». أخرجه الترمذى. فإن كانت أمة الإسلام آخر الأمم فى المجيء إلا أنها أول الأمم فى الأفضلية ، وكما قال