عبد الله بن صوريا يقول للرسول صلىاللهعليهوسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتّبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله الآية ، بطريقة الحوار الذى هو منهج القرآن فى التعليم والتعلّم ، على شكل سؤال وجواب ، والسؤال هو دعوتهم إلى اليهودية أو النصرانية ، والجواب : هو دعوة مضادة للعودة إلى دين الآباء الذى هو ملة إبراهيم ، سمّى حنيفا لأنه حنف إلى دين الله وهو الإسلام. والحنف : هو الميل ، ومنه رجل حنفاء ، ورجل أحنف ، وهو الذى تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها. والحنف إذن : هو الاستقامة ، وسمّى المعوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة ، كما يقال للمهلكة : المفازة. وإبراهيم الحنيف لذلك : هو المائل عن دين الضلال إلى دين الحق ؛ والحنيفية : هى الديانة التى اشتهرت منسوبة إلى إبراهيم أبى الأنبياء ، وهى الإيمان بما جاء به ودعا إليه ومن سبقه وخلفه من الرسل ، من أولهم إلى آخرهم.
* * *
٤١٥. الحنيفية ديانة الفطرة
يقال للمؤمن : الحنيف ، والجمع حنفاء كقوله تعالى : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ) (البينة ٥) ، أى مائلين عن الأديان كلها إلى الإسلام ، والتحنّف إلى الإسلام هو الميل إليه كقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (الروم ٣٠) ، والدين الحنيف : هو فطرة الله التى فطر الناس عليها ، وسميت الفطرة دينا لأن الناس خلقوا ليعبدوا الله ، كقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات ٥٦) ، والعبادة ديانة ، وأنت لن تعبد إلا ما تعرف ، والعبادة معرفة أولا ، ومستحيل أن تعرف ذات الله ، أو تعرف الله ، ولكن يمكنك أن تعرف «عن» الله ، و «عن» أوصافه ، والمعرفة «عنه» تكون بتتبع مخلوقاته وإبداعاته ، وباستكناه أسبابه فى الكون.
«وإقامة الوجه للدين حنيفا» يعنى أن تتوجه بجميع حواسك إلى هذه المعرفة التى هى حق ، فالحنيفية ميل عن الضلال إلى الحق ، وهى ملّة المؤمنين.
* * *
٤١٦. صبغة الله الإسلام
وفى الآية : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (البقرة ١٣٨) سمّى الدين صبغة ، من حيث تظهر أعماله وسمته على المتديّن ، كما يظهر أثر الصبغ فى الثوب ، ومثلما يقال الدين فطرة الله ، فكذلك هو صبغة الله. وصبغة فى الآية منصوبة على تقدير «اتّبعوا» أو «الزموا» ، ولو قرئت بالرفع لجاز. واليهود والنصارى يولد لهم ، فيصبغون