يعقوب : «ونحن له مسلمون» تأكيد على أصل رسالة محمد ، وأنها الإسلام ، جعله الله الدين : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٨٣) (آل عمران ٨٣) ، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (النساء ١٢٥) ، فكان الإسلام إذن ديانة إبراهيم ، ثم ديانة إسماعيل وإسحاق ويعقوب بوصية أبيهم إبراهيم ، ثم بوصية يعقوب. والتذكير لليهود فى المدينة ربما يفيد. ولم يدع محمد صلىاللهعليهوسلم إلا بالتوحيد ، فلما ذا ينكرونه؟ والشرائع قد تتباين ولكن الملة واحدة عند كل الأنبياء ، وهكذا كانت عند الآباء : إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط ، وهى كذلك عند محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم إسماعيلىّ من نسل إسماعيل ، فهو من النسل الكريم ، والدعوة ما تزال فى سلالة إبراهيم الذى جاء فيه قوله تعالى : (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (الأنعام ١٤). وفى الحديث : «نحن معشر الأنبياء أولاد علّات ، ديننا واحد» ، وأولاد علّات : بنو أمهات شتى ، والعلّة هى الضّرّة ، والجمع علّات ، سميت كذلك لأنها تعل بعد صاحبتها ، والمقابل لأولاد أو بنى العلّات : أولاد أو بنو الأخياف ، أى أمهم واحدة والآباء شتى ، يقال : خيّفت المرأة بأولادها ـ أى جاءت بهم أخيافا ، من آباء شتى. وقول النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «الأنبياء أولاد علّات ودينهم واحد» هو قول موجز معجز ويلخص قضية الكلام فيها يطول. فلما ذكر القرآن ليهود المدينة أصل التوحيد ثنّى فقال تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة ١٣٤) ، فنبّههم إلى أن انتسابهم لأسلافهم لن ينفعهم إذا لم يظهروا الإيمان ويفعلوا الصلاح ، فالأسلاف أمة ، ويهود المدينة أمة ، ولكل أمة أعمالها ، ولا يسألون عن أعمالهم ، فما جدوى أن ينسبوا أنفسهم لإبراهيم ويعقوب دون أن يظهروا بأعمالهم أنهم مؤمنون؟ وفى الأمثال : «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه». واليهودية والنصرانية ليستا فى الحقيقة ملّة ، كردّه تعالى عليهم فى الآية : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (البقرة : ١٣٥) ، يعنى : يا أيها اليهود والنصارى : إن التعلّل باليهودية أو النصرانية كمنجاة لن يفيد ما لم تكونوا على الملّة الصحيحة : ملة إبراهيم وهى الحنيفية ، وما كان إبراهيم مشركا كشرككم. فهذه إذن وصية يعقوب من بعد إبراهيم ، وهى وصية محمد صلىاللهعليهوسلم من بعد الآباء.
* * *
٤١٤. الحنيفية ملة إبراهيم هى الإسلام
لم تكن اليهودية ولا النصرانية ديانة إبراهيم كقوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (البقرة ١٣٥) ، وكان اليهودى