الإسلام ميراثه لذريته ، كقوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة ١٣٢) ، ووصيته كانت بقوله : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، فوعظهم أن يقولوا «أسلمنا». وقوله وصّى فيه تكثير ، فظل يردد عليهم ذلك ويكثر من التوصية. وفى الآية أن يعقوب زاد على إبراهيم توصيفا لهذا الدين ، أنه الإسلام : الدين الصافى المصفّى ، أى الخالص من كل شائية ، والمستصفى ، أى المختار لصفاته من أى شرك. وقوله «فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون» إيجاز بليغ وفيه جماع الخير كله ، والمعنى : الزموا الإسلام ، وداوموا عليه ، ولا تفارقوه حتى الموت ، والخطاب توجيه يتضمن الوعظ والتذكير بالموت ، وأن تكون ملازمتهم للإسلام من وقت أن أمرهم به دائبا ، فلا يفاجئهم الموت إلا وهم مسلمون. وهذا الكلام عن إسلام إبراهيم ووصيته إلى بنيه لا شىء منها فى التوراة ، والاهتمام فى التوراة ليس بالدين وإنما بتاريخية شعب اليهود.
* * *
٤١٣. وصية يعقوب بالإسلام
وفى الآية : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة ١٣٣). رصد دينى لمشهد موت يعقوب ، والاهتمام فيه بالملّة وليس بشيء آخر ، على عكس ما يرد من ذلك فى سفر التكوين ، الفصل التاسع والأربعين : أن يعقوب أوصى بنيه ، أن كل واحد منهم ، بحسب شخصيته يكون نصيبه من الدنيا ، وباركهم وأوصاهم أن يدفنوه فى القبر الذى دفن به إبراهيم وسارة وإسحاق فى مكفيلة من أرض كنعان : «فلما فرغ يعقوب من وصيته لبنيه ضم رجليه على السرير وفاضت روحه وصار إلى قومه (تكوين ٤٩ / ٢٩) ، فالاهتمام بهم كجماعة وليس بالدين ، ولاحظ قوله «وصار إلى قومه» وليس «وصار إلى الله»؟! ولا نجد من مؤلف التوراة فى موقف الموت أى اهتمام بالديانة وماهيتها ، وأما فى القرآن فالقضية مختلفة تماما ، والاهتمام منصب على الدين دون غيره. والآية القرآنية ليست للتأريخ ليعقوب ، ولكنها لتصحيح الفكرة عن يعقوب كما يطرحها التوراة ، ثم إنّ أى قصة ترد فى القرآن إنما هى للوعظ والتفكّر والتدبّر ، والآية احتجاج على يهود المدينة : بأن يعقوب لما حضرته الوفاة ، قد ذكر قومه ولم يذكر الله ، ووصيته لا يمكن أن تكون وصية نبىّ. وكاتب التوراة نسى هذه الحقيقة ، ولم يذكر سوى أن يعقوب مؤسس أمة يقال لها بنو إسرائيل. فلما كانت بعثة محمد ذكر اليهود بالرسالة وهى التوحيد ، وفى الآية القرآنية خير تذكير ، والتوحيد هو فحوى شهادة الأنبياء ومضمون كلامهم. وقول أولاد