وقيل : الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وما من مصدر لهذا العدد أيضا ، والمذكورون فى القرآن بالاسم خمسة وعشرون ، أولهم آدم ، وقيل : نوح ، وقيل : إدريس ؛ وكان لكل رسول كتاب أو وصية ، واختلفت الأمم والشرائع بغيا بينهم ، إلا أمة محمد ، وذلك لأن كتابهم ظل بلا تغيير ، فى الوقت الذى حرّفت فيه الكتب الأخرى. وقيل إن الأمم كذّبت بعضها البعض ، إلا أمة محمد ، فإنها تصدّق بها جميعا. وقيل : إن الله هدى أمة محمد لمّا ضل الآخرون ، فاليهود قالوا : نحن أصفياء الله ؛ وصحّح ذلك مع أمة محمد ، فقال تعالى : إن أصفياءه هم المتقون ، ولا فرق بين أعجمى وعربى إلا بالتقوى ؛ والنصارى قالوا : المسيح ابن الله ، ولقد خلّصنا من كل خطايانا ، فلا أحد منا إلا ويدخل الجنة ، فصحّح الله تعالى ذلك مع أمة محمد فقال : إنه تعالى لا ولد له ولا زوجة ، وأنه لا يدخل الناس الجنة إلا أعمالهم ، وأن المسيح عبد من عباد الله آتاه النبوة ، فذلك هو الحق الذى أعطاه الله تعالى أمة محمد وهداهم إليه.
* * *
٤١١. الإسلام هو الخضوع والانقياد لله
فى قوله تعالى لإبراهيم : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (البقرة ١٣١) : أن الإسلام : هو إخلاص الدين لله بالتوحيد. «وأسلم» يعنى اخضع واخشع. وما جرى لإبراهيم فى إسلامه ينفرد به القرآن دون التوراة ، فليس من ذلك شىء فى التوراة. والإسلام فى كلام العرب : هو الاستسلام. وإسلام إبراهيم لذلك على أتم وجوهه ، لأنه استسلام لله. وليس كل إسلام إيمانا ، وليس كل إيمان إسلاما ، لأنه من يؤمن يستسلم لله ، ولكن ليس كل من يستسلم يؤمن ، فلربما يبدى الإسلام نفاقا ، أو لغرض كالزواج من مسلمة ، أو خوفا على حياته ، فلا يكون ذلك إيمانا. وفى الآية : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات ١٤) ، فأخبر أنه ليس كل من أسلم مؤمنا. ولما قال سعد بن أبى وقّاص للنّبىّ صلىاللهعليهوسلم : أعط فلانا فإنه مؤمن. قال له : «أو مسلم؟» الحديث ، (يعني أو مسلم هو؟) فدلّ على أن الإيمان ليس الإسلام ، لأن الإيمان باطن ، والإسلام ظاهر. ومع ذلك فقد يطلق الإيمان بمعنى الإسلام ويراد به الإيمان ، للزوم أحدهما الآخر. وصدوره عنه ، كقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران ١٩).
* * *
٤١٢. أسلمت لربّ العالمين وصية إبراهيم
لما قال الله تعالى لإبراهيم : «أسلم» قال : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (البقرة ١٣١) ، فكان