الاستعمال ، فشمل القول بالإسلام الأصول الاعتقادية والفروع العملية. والأصول يقينيه ، والفروع ظنية ، والآراء فى المعتقدات تسمى مذاهب ، وكل أصحاب المذاهب وأتباعهم يعتقدون أنهم على صواب يحتمل الخطأ ، وغيرهم على خطأ يحتمل الصواب ، وقد يرى البعض أن الحقّ يتعدد فى المسائل الاجتهادية.
والإسلام يفرّق بين الجاهلية والعالمية ، فقبل الإسلام كان العرب فى بداوة جاهلية ، وبعده صاروا إلى حضارة عالمية.
* * *
٤٠٩. الدين واحد والفرق كثيرة
كان الناس أمة واحدة ، أى على دين واحد ، أو رأى واحد ، اجتمعوا عليه وأخذوا به : أنه لا إله إلا الله ، يقول تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٩٢) (الأنبياء) فاختلفوا وتفرّقوا ، لمّا تباين فهمهم ، وعند ما تشعبت مفاهيمهم ، فقال تعالى : (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) (٩٣) (الأنبياء) ، يعنى تفرّقوا ، وادّعى كل منهم أنه على الحق وغيره على الباطل. وقوله «تقطّعوا» يعنى جعلوا ما كان واحدا قطعا صغيرة ، وقنع كل واحد بقطعة بعد أن كان معه الكل ، فالموحّد هو من معه الكل ، واليهودى والنصرانى ، أو المجوسى ، أو الصابئ ، إلخ ، كلّ منهم قد اجتزأ جزءا واعتقد أن معه كل الصواب ، بل أن النصارى مثلا اختلفوا فيما بينهم فصار منهم الأرثوذكسى ، والكاثوليكى ، والبروتستانتى إلخ ، وكفّر بعضهم البعض وكل هؤلاء مآلهم فى النهاية إلى الله فيقضى بينهم فيما فيه يختلفون. والآية عامة ، والحق ليس فى الدين وحده ولكنه فى كل شىء ، والتباين فيه قد يكون ظاهرة صحية ، وقد يجلّيه ، غير أن هناك اختلافا وليس تباينا ، وفيه يكون الصراع والحرب والمكيدة.
* * *
٤١٠. كان الناس أمّة واحدة
لمّا نزل آدم إلى الأرض عمرت بالبشر ، وكانوا أمة واحدة ، وقيل كان ذلك بعد نوح ، وكانوا على الإسلام لله ، ثم بعد وفاة نوح اختلفوا ، فبعث الله النبيين ، يقول تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) (البقرة ٢١٣) ؛ وقيل : كان الناس أمة واحدة فى خلّوهم من الشرائع ، وجهلهم بالحقائق ، لو لا أن منّ الله عليهم بالنبيين ؛ وقيل : كان النبيّون كثرا ، وقيل : جملتهم مائة وأربعة وعشرون ألفا ، ولا ندرى مصدرا لهذا العدد ؛