وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١٥) (الحجرات) ، فالأعراب أسلموا ولكنهم لم يصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد ، ثم فى الآية اللاحقة أن المؤمنين الكمّل هم الذين لم يتشككوا ، ولا تزلزلوا ، ولكنهم ثبتوا وصدّقوا ، ومقامهم مقام التصديق المحض ، ولذلك جاهدوا بالمال والأنفس فصدقوا أنهم مؤمنون ، ولم يتجاوزا الصدق عند ما قالوا إنهم مؤمنون. فكل من توقف عند الإسلام ولم يترقّ إلى الإيمان فهو من الأعراب ، وأما تاريخيا فهؤلاء كانوا رهطا من بنى أسد بن خزيمة ، قدموا إلى المدينة فى سنة جدبة ، وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين حقا ، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات ، وأغلوا أسعارها ، وقالوا للرسول صلىاللهعليهوسلم : أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك ، فقال : «إن فقههم قليل والشيطان ينطلق على ألسنتهم» أو قالوا : أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، فأعطنا من الصدقة ، وجعلوا يمنون عليه فأنزل الله هذه الآية والتى تليها ، قال : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٧) (الحجرات). وسواء نزلت الآية فى هؤلاء من بنى أسد ، أو فى أعراب مزينة وجهينة وأسلم وغفار والدّيل وأشجع ، ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا تخلّفوا ، فإن هذه الآيات عامة يقصد بها المنافقون الذين يظهرون الإيمان ولم تؤمن قلوبهم ، فحقيقة الإيمان : التصديق بالقلب ؛ وأما الإسلام : فحقيقته قبول ما أتى به النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وفى الحديث عند البخارى : «بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحجّ ، وصوم رمضان» والمراد بالشهادة تصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما جاء به. وصحة الإسلام لا تقوم إلا بالإقرار بالتوحيد. والإسلام لغة هو الطاعة والانقياد ، وفى الحديث فإن حاصل الإسلام شرعا هو الأعمال الظاهرة ، والتلفّظ بالشهادة ، والإتيان بالواجبات ، والانتهاء عن المنهيّات. والإسلام والإيمان متلازمان فى المفهوم ، سوى أن الإسلام علانية ، والإيمان فى القلب. أو أن الإسلام والإذعان مترادف ، لأن الإسلام هو الخضوع والانقياد للأحكام ، أى قبولها والإيمان بها ، وذلك نفسه حقيقة التصديق ، ومن ثم فإن الإسلام والإيمان يترادفان ، وكلما أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ، ودلّ انفراده على ما يدل عليه الآخر ، وإن قرن بينهما تغايرا.
وأصل الإسلام : أن المسلم هو الذى يحفظ الشيء سالما بتجديده وصيانته ، أى صيانة التوحيد ، وتجديد الإيمان بالله الواحد. وفى التصوف الإسلامى : المسلم هو المستسلم لله ، والمسلم نفسه لله.
والخلاصة : أن الإسلام هو خلوص العقيدة. غير أن مفهومه كان دائم التطور مع