أغيلمة سفهاء» ، والأغيلمة تصغير أغلمة ، ومفردها غلام ، ويطلق على الرجل المستحكم القوة المستبد ، تشبيها له بالغلام فى قوته وتقلّب مزاجه. وقيل إنه صلىاللهعليهوسلم استعاذ من إمارة الصبيان ، فسألوه : وما إمارة الصبيان؟ قال : «إن أطعتموهم هلكتم ، وإن عصيتموهم أهلكوكم» ، فشبّه حكم الطاغية الظالم بحكم الصبى ، لأنه اعتبره غير ناضج فكريا ونفسيا ، ولذلك يلجأ إلى العنف ويميل إلى الأثرة ، والاستحواذ. وفى رواية أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لو أن الناس اعتزلوهم» ، والمراد باعتزالهم أن لا يداخلوهم ، ولا ينضموا للجيش ولا للشرطة ، ولا يسمعوا لهم ، ولا يقاتلوا عنهم ، ولا يتعاونوا معهم ، ولا يجتمعوا بهم ، ولا يحادثوهم ، والأفضل اللجوء إلى الهجرة ، وترك البلاد التى تكثر فيها المظالم والإشاعات والفتن والصراعات والمعاصى ، والمنكر عموما ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (٩٧) (النساء) ، وقوله : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (١٠٠) (النساء) ، والآية دليل على أنه ليس لأحد المقام بأرض فيها الظلم والاضطهاد ويعمل فيها بغير الحق.
* * *
٣٩٩. ظهور الفتن من علامات الساعة
للساعة علم لا يعرفه إلا الله ، كقوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) (٦١) (الزخرف) ، ولها علاماتها التى تسبقها ، والأحاديث فيها كثيرة ، منها قوله صلىاللهعليهوسلم : «يتقارب الزمان ، وينقص العمل ويلقى الشحّ ، وتظهر الفتن ويكثر الهرج» (أى القتل) ، وقوله : «إن بين يدىّ الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج» ، وقوله : «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ، ويخون الأمين ، ويؤتمن الخائن ، وتهلك الوعول وتظهر التحوت» ، قالوا : يا رسول الله ، وما التحوت والوعول؟ قال : «الوعول وجوه الناس وأشرافهم ، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس ليس يعلم بهم». وقيل فى قوله : «يتقارب الزمان» يعنى تقارب أحوال أهله فى قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، لغلبة الفسق وظهور أهله. وجاء فى الحديث : «لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا ، فإذا تساووا هلكوا» وهو حديث غريب يدعو إلى اللامساواة بين الناس ويحبّذها ، ويناقض تعاليم الإسلام والرسول صلىاللهعليهوسلم ، وقيل فى معناه : لا يزال الناس بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف من الله ، يلجأ إليهم عند الشدائد ، ويستهدى بآرائهم ، ويتبرّك بدعائهم ، ويؤخذ بتقويمهم وآثارهم ، وإلا فإنهم إن تساووا فى الخسّة والدناءة ، هلكوا.
* * *