«يقلعها حجرا حجرا» ، وبرواية أخرى : «لا يعمر ـ أى المسجد الحرام ـ بعده أبدا» ، وقد فعل ذلك فعلا القرامطة بعد سنة ٣٠٠ ه ، فقتلوا من المسلمين فى المطاف من لا يحصى كثرة ، وقلعوا الحجر الأسود فحوّلوه إلى بلادهم ، ثم أعادوه بعد مدة طويلة ، ثم غزى البيت الحرام مرارا من بعد ، ولا يتعارض ذلك مع قوله تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) ، لأن الغزو والتخريب إنما وقعا بأيدى المسلمين ، وهو مطابق لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ولن يستحل هذا البيت إلا أهله» ، فوقع ما أخبر به النبىّ ، صلىاللهعليهوسلم وهو دليل على نبوته ، ودليل على أن ما أنزل عليهم من القرآن صدق.
* * *
٣٩٧. الفتن وعذاب العامة بسبب منكرات الخاصة
الفتن جمع فتنة ، وأصلها إدخال الذهب فى النار لتظهر جودته من رداءته ، وتطلق الفتنة على العذاب ، كقوله : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤) (الذاريات) ، وعلى الاختبار ، كقوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) (٤٠) (طه) ، وعلى الابتلاء ، كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٣٥) (الأنبياء). والفتنة كما تكون من الله تكون من البشر ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (١٠) (البروج) ، وأصل الفتنة إذن هو الاختبار ، ثم استعلمت فيما يؤدى إليه الاختبار من مكاره ، ثم أطلقت على كل مكروه. وفى الحديث : «اللهم إنا نعوذ بك أن نفتن» ، وفى التنزيل : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٢٥) (الأنفال) ، والآية تأمر بأن لا يقر المسلمون المنكر بين أظهرهم فيعمّهم العذاب ، وفى الحديث : «إن الله لا يعذّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك ـ أى لم ينكروه ـ عذّب الله الخاصة والعامة».
* * *
٣٩٨. التعارض بين الكثير من أحاديث الفتن والقرآن؟
الكثير من أحاديث الفتن يتعارض مع القرآن ، فالآية تقول : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (١٩٣) (البقرة) ، والمعنى لا ينحصر فى مناسبة نزول الآية ، ولا يقتصر على مقاتلة الكفار وأهل الشرك ، وإنما قتال الظلمة والطغاة والمستبدين ، ومنازعة هؤلاء تفرضها آيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وأحاديث النصح لأصحاب السلطة ، وقد سأل المسلمون النبىّ صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، إن كان علينا أمراء يأخذون بالحق الذى علينا ، ويمنعونا الحق الذى لنا ، أنقاتلهم؟ قال : «لا ، عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم». وقال : «سيكون أمراء فيعرفون وينكرون ، فمن كره برىء ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضى وتابع ...» ، قالوا : أفلا نقاتلهم؟ قال : «لا ، ما أقاموا الصلاة»؟! وفى رواية قالوا : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم عند