لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٤٤) (طه) ، والآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإنما باللين ، واللين هو القول الذى لا خشونة فيه ؛ وإذا كان موسى قد أمر بالدعوة باللين ، فمن دونه أحرى بأن يقتدوا به ، كقوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٨٣) (البقرة) ، والحسن هو المعروف ، والصدق ، والطيّب من القول. والدعوة باللين من أصول السياسة ، ومن مكارم الأخلاق ، والقائم بالدعوة مهما يكن ليس بأفضل من موسى وهارون ؛ والملحد ، والعلمانى والليبرالى وأىّ من كان ليس بأخبث من فرعون.
* * *
٣٩٥. الأعمال بالخواتيم
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى قصة الرجل فى وقعة خيبر أصيب ولم يطق ألمه فانتحر : «لا يدخل الجنة إلا مؤمن» ، والله تعالى يقول : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (١٩٥) (البقرة) ، ويقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢٩) (النساء). ومعنى الحديث أن من يقتل نفسه ليس مؤمنا ، فالإيمان والانتحار لا يلتقيان ، وذلك أن الرجل استعجل الموت فقتل نفسه ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار ، وإنما الأعمال بالخواتيم» ، وقال : «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله : يوقفه لعمل صالح ثم يقبضه عليه» ، وقال : «لا تعجبوا لعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له» ، يعنى أن المرء قد يفسد على نفسه إيمانه بارتكاب حماقات تدرجه ضمن ناقصى الإيمان ، والعبرة بخواتيم الأعمال ، أى نهاياتها ونتائجها وليس بما تبدو ظاهريا فى أول أمرها.
* * *
٣٩٦. هدم الكعبة
الأحاديث فى هدم الكعبة ضمن ما يسمى «أحاديث آخر الزمان» ، تعارضها الآية : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) (٦٧) (العنكبوت) ، والآية : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) (٥٧) (القصص) ، ومن واقع التاريخ أنه تعالى حبس عن مكة الفيل ، ولم يمكّن أصحابه من تخريب الكعبة ، ولم تكن وقتها قبلة للمسلمين ، فكيف يسلّط عليها من يخربها بعد أن صارت قبلة للمسلمين؟ وفى الحديث : «يغزو جيش الكعبة فيخسف بهم» ، وربما يقال : إن الآيتين تحكيان عن وضع الحرم فى أيام النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وليس فى المستقبل ، فأمّا فى آخر الزمان ، قرب قيام الساعة ، فالمفروض فعلا أن تخرب الكعبة ، وخرابها من علامات الساعة ، ووقتها لا يبقى فى الأرض أحد يقول الله الله ، كما ثبت فى صحيح مسلم : «لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله» ، وفى البخارى عن هدم الكعبة :