(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠) (الشمس) أى قد فاز من زكّى نفسه بالطاعات ، وخسر من دسّ نفسه فى المعاصى وأضلّها وأغواها ، فالإنسان هو المسئول ، وله الخيار ، والله قد هداه النجدين ، ولذا فإنه صلىاللهعليهوسلم لمّا سئل : ألا نتكل؟ قال : «لا ، اعملوا فكل ميسّر» : ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١٠) (الليل) أى أن الهداية ضربان : هداية دلالة ، فيدل الله بأنبيائه وكتبه على الحق والخير ، وهداية معونة ، فيعين من يريد السير فى طريق الحق وأن يتوخى الخير ، وهو معنى نيسّره لليسرى أو للعسرى بحسب اختياره. وهذا جميعه من قدر الله ، أى بتقديره ، والإيمان بالقدر هو أن نؤمن بكل ما سبق.
* * *
٣٩٢. من تفسيرات القدرية
قال الجبرية فى الآية : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) (٥٦) (هود) : أن الأعمال قد نصّت وبرزت من غيب الغيب فصارت منصوصة فى المقادير ، وبصر الخالق قد نفذ فى جميع حركات الخلق ، فالناصية مأخوذة بمنصوص الحركات التى نظر الله تعالى إليها قبل أن يخلقها ، والإنسان على ذلك مجبر ومقدور عليه قدره ، ولا قدرة له أصلا ، لا مؤثرة ، ولا كاسبة ، بل هو بمنزلة الجمادات! والصحيح أن الآية تعنى أن الله لا خلل فى تدبيره ، ولا تفاوت فى خلقه ، وأنه خلق الخلق ويقدر على كل شىء ، ومن قدرته تعالى أن جعل الاختيار فى التكاليف والأعمال للإنسان ، وهو حرّ ، وبناء عليه فهو مسئول ، ويتهافت على ذلك فهم القدرية وتفسيرهم للآية.
* * *
٣٩٣. الإنسان مخيّر فيما يفعله بإرادته ، ومسيّر فيما كان بإرادة الله
هو تفسير الآية : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) (٥١) (التوبة) ، ونحن لا حيلة لنا ولا اختيار فى أبوينا ، وبلاد ميلادنا ، وأشكالنا التى نحن عليها ، وما لنا من قدرات وملكات ، ومن ذكاء وسمات ، فهذه جميعها من أفعال الله ، كتبها على عباده ولم يقدرهم على كسبها ، ودون ذلك مما يدخل فى التكاليف فهو من أفعال البشر ، وباكتسابهم لها مختارين. والقضاء الممضى يشمل هذه الأفعال الأولى ، وهو مضمون الآية.
* * *
٣٩٤. الدعوة إلى الله باللين
الدعوة إلى الله لا تكون إلا باللين ، بقوله تعالى لموسى وهارون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً