بلا أب ؛ فآلت إلى بنى آدم كل وصايا عيسى من ربّه للتماثل بين آدم وعيسى. ثم تأتى آخر وصية وهى السابعة : أن يسأل الله دوما السلام لنفسه وللناس ، وأن يسأل الناس الدعاء له بالسلام. فكما هو مطلوب منا أن نصلى ونسلم ونبارك على نبيّنا كلما ذكر اسمه ، كذلك يلزمنا أن نسأل للمسيح السلام ، فنقول : «عليهالسلام» كلما ذكر اسمه ، فالسلام عليه من تعاليمه لأتباعه ، وللناس كافة من المؤمنين به رسولا نبيا. فهذه هى وصاياه تعالى للمسيح ، ووصايا المسيح لنا سبع وصايا مباركات.
* * *
٣٩١. الإيمان بالقدر
القدر من قدر ومقدرة ، تقول قدر على الشيء قوى عليه ، وقدر الله فلانا على كذا ، يعنى جعله قادرا عليه ، ومنه القادر والقدير وهما من أسماء الله الحسنى. وإذا ذكر القدر ذكر القضاء وهو الفصل ، من قضى يقضى أى حكم وفصل ، فإذا كان القضاء هو الحكم فإن القدر هو القدرة على تنفيذ الحكم ، وفى الآية : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) (القمر) أى بقدرة ، وقوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٨) (الأحزاب) يعنى نافذا لأنه يقدر عليه وهو القادر. وقيل : هاتان الآيتان نزلتا فى القدرية وكانوا يخاصمون الناس فى القدر ، ولا شىء فى الآيتين يمنع أن يكون الإنسان مخيّرا ومسئولا ، وفى «افعل ولا تفعل» فإن الإنسان مخيّر ومسئول ، ولمّا سأل أحدهم الرسول صلىاللهعليهوسلم : أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال : «نعم» ، قال : «فلم يعمل العاملون؟ قال : «كلّ يعمل لما خلق له ـ أو لما يسّر له» ، وفى هذا الحديث أن علم الله محيط وسابق ، وليس فيه أدنى تشكيك أن الإنسان مخيّر ومسئول. ومثل ذلك الحديث ، قيل : يا رسول الله ، فيم العمل؟ أفيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير؟ قال : «اعلم أن القلم جفّ بما هو كائن» ، والحديث كما ترى فى علم الله السابق ولا يتعارض مع القول بمسئولية الإنسان وبحريته : أن يختار ويفعل عن اختيار. ومثله الحديث : «جفّت الأقلام وطويت الصحف» ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «كلّ يعمل لما خلق له أو لما يسّر له» ، جميعها دليل على أنه لا قسر على الإنسان ولا جبر ، إلا أن يعمل فى حدود إنسانيته ، وأن يفكر ويقارن ، ويستنبط ، ويستدل ، ويختار لنفسه ، وكلّ له اختياراته ، وله تفكيره وسلوكه ، وعمله أمارة ودليل وإشارة على ما سيئول إليه أمره ، وأن من أراد لنفسه النجاة فعليه أن يبذل جهده ، ويجاهد نفسه فى عمل الطاعات والصالحات ، كقوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) (الشمس) ، أى عرّفها طريقى الفجور والتقوى ، والطاعة والمعصية ، ولها أن تختار لنفسها أيهما ـ كما تشاء ، ثم قال بعد ذلك :