وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (١٣) (الشورى) ، أن وصيته تعالى إلى هؤلاء فيما شرع لهم من الدين هو توحيده تعالى ، عبّر عنه بقوله : «أن أقيموا الدين» ، وإقامة الدين هى طاعته تعالى فيما شرع ، أى فيما نهج وأوضح وبيّن من المسالك ، وشدّد عليهم فقال : «ولا تتفرقوا فيه» ، أى لا تختلفوا فى غايته أو الطرق الموصلة إليها والمحققة لها ، فالدين واحد وإن اختلفت المسميات ، والأصول واحدة وإن تعددت المعانى ، والمصدر واحد وإن كثرت الفروع ، والأولى أن يقال لشرعة كلّ نبىّ : ملّة ، وأن يقصر اسم الدين على الأصل الذى ترجع إليه جميعها وهو الإسلام. والأصول الواحدة فى كل الملل هى : التوحيد ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والتقرّب إلى الله بصالح الأعمال ، والزلف إليه بما يردّ القلب والجارحة إليه ، والصدق والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وتحريم الكفر والقتل والزنى والأذية للخلق ، وتحريم الاعتداء على الإنسان الحيوان ، واقتحام الدناءات ، وإسقاط المروءات ، فهذا كله مشروع فى كل الملل ، وهو الأساس للدين الواحد والملل المتحدة ، وقال به هؤلاء خصيصا : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، سلام الله عليهم أجمعين ، ولم يحدث أن أرسل الله نبيا قط إلا أوصاه بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإقرار بطاعته تعالى ، وذلك هو الدين الذى شرعه لهم ، وهو وصيته تعالى لأقوام كل الأنبياء ، وموجزه : تحليل الحلال وتحريم الحرام.
* * *
٣٩٠. وصيته تعالى للمسيح
لما نطق المسيح فى المهد كان أول ما أخبر عنه ، هو عبوديته لله تعالى ، قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (٣٣) (مريم) ، فوصيته تعالى خصوصا للمسيح ، وعموما للناس جميعهم : ١ ـ أن يلتزم الصلاة يؤديها فى وقتها وبفروضها عند ما يدركه التكليف ويمكنه القيام بها ؛ ٢ ـ وأن يفى بالزكاة إذا صارت له القدرة على الكسب ؛ ٣ ـ وأن يواظب عليهما : الصلاة والزكاة طالما هو حىّ يرزق ؛ ٤ ـ وأن يبرّ والدته ، ولم يقل والدىّ ، لأن ميلاده كان من الأم أمرا منه تعالى ولم يكن من والدين ؛ ٥ ـ وأن لا يكون جبّارا متعظما متكبّرا ، (والجبّار هو من لا يرى لأحد عليه حقا) ؛ ٦ ـ وأن لا يكون شقيا فاعلا للشرّ والأذى ، ومنقطعا عن الرحمة ، وعاقا عاصيا لربّه ، تاركا لأمره ، فإبليس كان تاركا لأمر الله ، فشقى الشقاء كله ، وهكذا بنو آدم ، فآدم مثل عيسى ، وآدم خلقه تعالى بلا أم ولا أب ، وعيسى خلقه من أم