٣٨٦. الغيب والشهادة
الغيب : كل ما غاب عنك ، يقال غابت الشمس تغيب ؛ وأغابت المرأة فهى مغيبة ، إذا غاب عنها زوجها ؛ ووقعنا فى غيبة وغيابة ، أى هبطة من الأرض ، والغيابة الأجمة ، وهى جماع الشجر يغاب فيها ؛ ويسمّى المطمئن من الأرض : الغيب ، لأنه غاب عن البصر. والغيب : الأمر الخفى الذى لا يدركه الحسّ ولا تقتضيه بديهة العقل ، وهو قسمان : قسم لا دليل عليه ، لا عقلى ولا سمعى ، وهذا هو المعنىّ بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (الأنعام ٥٩) ؛ وقسم نصب عليه دليل عقلىّ أو سمعىّ ، كالصانع وصفاته ، واليوم الآخر وأحواله ، كما فى قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة ٣) ، وفى الحديث : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ؛ ولا يعلم ما فى غد إلا الله ؛ ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله ؛ ولا تدرى نفس بأى أرض تموت إلا الله ؛ ولا يعلم متى تقوّم الساعة إلا الله» أخرجه البخارى. وفى صحيح مسلم قالت عائشة : من زعم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (٦٥) (النمل) وأقول : وعلى ذلك فكل الأحاديث عن عمّار وعلىّ ، والحسن ، والحسين ، إلخ وما يجرى لهم ، باطلة. وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) (١٧٩) (آل عمران) ، وكذلك قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (٢٧) (الجن) ، المراد يطلعهم من الغيب ما يخصّ الرسالة كأوصاف الجنة والنار ، وأحوال الناس فيهما ، والحساب والثواب والعقاب ، وليس متى يموت عمّار ، ومن يقتله ، وأين يموت الحسين! وقيل فى مفاتح الغيب : أنها خزائن الرزق ، أو أنها الآجال ووقت انقضائها ، وعواقب الأعمار ، وخواتم الأعمال. والغيب الذى يراد منا الإيمان به هو الله ، فهو تعالى غيب ، وكلّ ما يختص به تعالى من أمور وشئون هو من الغيب ، فالقضاء والقدر غيب ، وكل ما أخبر به الرسل صلىاللهعليهوسلم مما لا تهتدى إليه العقول ، كأشراط الساعة ، والحشر والنشر ، والصراط ، والميزان ، غيب. والإيمان بالغيب لذلك هو الإيمان الشرعى ، وفى الحديث أن الإيمان : «أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه». وقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (٩) (الرعد) فعالم بما غاب عن الخلق ، وعالم بما شهدوه. وفى قوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) (٢٢) (الكهف) هو القول بالظن ، وهو غاية ما يقدر عليه الإنسان فى الغيب.
* * *