الحقيقة يصبح هو الآخر ابنا لله على المجاز ، والنصارى كلهم لذلك أبناء الله ، وكذلك اليهود قالوا مثلهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) (١٨) (المائدة). ومثلما جعلوا لله الأبناء جعلوا له البنات ، كقوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٥٧) (النحل) ، فادّعوا أن الملائكة بنات الله ، وهؤلاء من العرب : «خزاعة ، وكنانة ، وجهينة ،. وبنو مليح ، وبنو سلمة ، وبنو عبد الدار ، وكانوا يقولون الملائكة مؤنث ، فهم بنات ، ويلحقن بالبنات ، فجعلوا لأنفسهم البنين ، واختاروا له البنات اللاتى يأنفون منهن ، كقوله تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (٥٨) (النحل) ، يعنى إذا ولدت له أنثى تغيّر وجهه واغتمّ للخبر ، والعرب يقولون لمن يلقى مكروها : قد اسودّ وجهه ، ولهذا وبّخهم فقال : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١٥٤) (الصافات) ، وشبيه به قوله تعالى : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) (٣٩) (الطور) ، وقوله : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) (١٦) (الزخرف) ، والجزء هو الولد يولد منه ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، وأمثال هذه الأقوال تدل على حمق أصحابها ، وضحالة تفكيرهم ، والشطط فى أفهامهم ، والضلال الذى يملأ حياتهم ، وفى كل هذه الآيات ، تسفيه بأحلام من ذهبوا هذا المذهب ، وتوبيخ لهم وتقريع ، سبحانه وتعالى عمّا يصفون.
* * *
٣٨١. قولهم الملائكة بنات الله
تجىء لفظة الملائكة فى القرآن فى صيغة المذكر مرات ، وفى صيغة المؤنث ، مرات ، كقوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) (آل عمران) ، فظنوا الملائكة إناثا لتأنيث «نادته» ، غير أن العرب تقول : قالت الرجال ، وتقول أيضا : قال الرجال. وكذا فى النساء. ومثلما قال تعالى : (قالَتِ الْمَلائِكَةُ) (٤٥) (آل عمران) ، قال : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ) (٤) (المعارج) ، وقال : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) (٣٤) (البقرة) ، وقال : (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) (١٦٦) (النساء) ، وقال : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) (٩٣) (الأنعام) ، وكما ترى فإن قوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) جائز على تأنيث الجماعة ، وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) جائز على تذكير الجمع ، وعلى ذلك كان استنباطهم خطأ ، أو أنه كان مغرضا. وفى قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٥٧) (النحل) ، أى لهم الأولاد بينما له البنات ، فنزّه نفسه وعظّمها عما نسبوه إليه من اتخاذ الأولاد إطلاقا سواء البنات أم الصبيان.
* * *