وهو الحق ، أى الموجود الثابت الذى لا يتغير ولا يزول ، وهو الحىّ الذى يحيى ويميت. ولقد كانت للعالم بداية وحتما ستكون له نهاية ، وهى التى تحين مع الساعة ، والساعة آتية لا ريب فيها ، ومعها يكون الإحياء الثانى ، والبعث من القبور ، ولا جدال فى ذلك.
* * *
٣٧٦. الله الخالق البارئ المصوّر
كذب من قال : أن الخالق البارئ المصور فى الآية : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (٢٤) (الحشر) ألفاظ ثلاثة مترادفة ، والصحيح أنها ألفاظ متباينة ، وأسماء موضوعية ، فكل اسم له معنى ، فالخالق : من الخلق وأصله التقدير ، ويطلق على الإبداع ، وهو إيجاد الشيء على غير مثال ، كقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (التغابن ٣) ؛ وعلى التكوين كقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (٢) (العلق) ؛ والبارئ : من البرء ، وأصله خلوص الشيء عن غيره ، فنقول برأ فلان من مرضه أو من دينه. والبارئ : البرىء من التفاوت والتنافر وهما اللذان يخلّان بالنظام ؛ والمصوّر : مبدع الصور للمخترعات ، ومرتّبها بحسب مقتضى الحكمة ؛ والمعنى إذن أنه تعالى الخالق لكل شىء : بمعنى أنه موجود من الأصل ومن غير أصل ، وأنه القادر والعالم ، ومن ثم خلق الخلق والموجودات ؛ وهو البارئ لهذا الكون بما حوى واشتمل : بحسب ما اقتضته الحكمة من غير تفاوت ولا اختلال ؛ وهو مصوّره : فى صور تترتب عليها خواصه ويتم بها كماله. وقيل : الخالق : معناه الذى جعل المبدعات أصنافا ، وجعل لكل صنف منها قدرا ؛ والبارئ : معناه الموجد لما كان فى معلومه ؛ والمصوّر : هو المهيئ للأشياء على ما أراده من تشابه وتخالف.
* * *
٣٧٧. الإلّ هو الله بالعبرية
قيل ذلك فى تفسير الآية : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) (٨) (التوبة) ، والآية : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١٠) (التوبة) ، وهو تفسير من الإسرائيليات ، وروّجه المفسّرون الذين تلقوا على اليهود ، قالوا : الإلّ اسم عبرى من أسماء الله ، والصحيح أن الإل هو العهد والجوار والقرابة. والإل بالكسر ، وأما الأل بالفتح فهو من الأليل وهو البريق ، يقال : ألّ يؤلّ ألّا ، أى صفا ولمع ؛ أو أنه الحدّة فيقال للحربة الآلة ، ومنه أذن مؤلّله أى محدّدة. وقد يسمى العهد ألّا بالفتح لصفاء ظهوره.
* * *