بالعين ، والإشارة والرمز بها ، والتجسّس بالنظر ، والنظرة بعد النظرة ؛ وما تخفى الصدور هى السرائر ، وما تكنّه القلوب وتضمره ، وما يلم بالخاطر من الأفكار ، وعلى النفس من الخطرات ؛ وفى الحديث : «إن النبىّ لا تكون له خائنة أعين» أخرجه أبو داود والنسائى.
* * *
٣٧٥. حجّة البداءة الأولى
حجة البداءة الأولى هى إحدى الحجج التى يحج بها على الناس كافة إذا تشككوا فى الإعادة ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٧) (الحج) ، وفى هذه الآيات يورد أن الخلق كان أولا من تراب ، وما يزال ما نأكله وننمو عليه أصله الزرع وهو من التراب ، وإذا متنا تحللنا إلى ستة عشر عنصرا هى نفسها عناصر التراب ، ولمّا تزاوجنا كنا نطفة من الدم ، ثم علقة أى الدم غير المتخلق ، ثم مضغة أى لحما ، وقوله «مخلّقة» يعنى ظهرت فيها الصورة والتخطيط ، أى صارت مخلوقا ، كقوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (١٤) (المؤمنون) ، فإن لم تكن قد ظهرت الصورة فهى غير مخلّقة ، ونعرف ذلك من السقط ، فالمخلّقة لها الأعضاء كلها ، وغير المخلّقة هى الخديج الناقصة. وهذه الأطوار تتم فى أربعة أشهر ، ثم تنفخ الروح فى العشرة أيام بعد الأربعة أشهر ، وهذه نفسها هى عدة المتوفى عنها زوجها : بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٢٣٤) (البقرة) ولاحظ المشابهة. فإذا قرّ الجنين فى الرحم وأكمل مدته ، خرج طفلا ، يقال على الولد والبنت ، وتكون مراحل النمو إلى البلوغ وكمال القوة والعقل ، وقد يعمر وينكّس فى الخلق ثم يموت ويستحيل ترابا كما هو فى الأصل. فذلك دليل الخلق من تراب ، وهناك الدليل الأقوى على البعث : وهو دليل إحياء الأرض بعد همود ويبوس وجفاف ، فبدون الماء ـ ماء الرجل وماء المطر ـ لا حياة ولا نبات ، فإذا نزل المطر وتشرّبته الأرض ، اهتزت وتحرّكت وانتفخت ، وأنبتت من كل زوج بهيج ، والبهجة هى الحسن ، وشبيه بذلك إحياء الموتى ، وهو القادر على ذلك ؛ فيثبت مما سبق أنه موجود ، وأن قدرته مطلقة ، وأنه حقيقة كل شىء ؛ وأنه المطلق الوجود ، الغنى بكلّيته ، وأن وجود كل ذى وجود عن وجوب وجوده.