وآمنوا ، فنبّه تعالى إلى أنه لا يعذّب الشاكر المؤمن ، وأن تعذيبه لعباده لا يزيد فى ملكه ، وأن تركه عقوبتهم على كفرهم وإلحادهم لا ينقص من عظمته ، ولا يطعن فى هيبته ، ومن كانت له هذه الخصال الأربع فهو حبيب الله : الشكر له ، والإيمان به ، والدعاء إليه ، والاستغفار منه ـ يقول تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) (الأنفال) ، ويقول : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (٧٧) (الفرقان) ، ويقول : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١٤٧) (النساء).
* * *
٣٧٣. الله رازق حقيقة وابن آدم رازق تجوّزا
الرزق هو الغذاء ، والناس جميعا مرزوقون ، والله هو الرازق ، ولا رازق ولا رزّاق سواه ، يقول : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (فاطر) ، ويقول : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٦) (هود) ، فالله تعالى رازق حقيقة ، وهذا قاطع ، وابن آدم رازق تجوّزا ، لأنه يملك ملكا منتزعا ، وهو مرزوق حقيقة كالبهائم ، وما هو مأذون له فهو حلال حكما ، وما كان غير مأذون له تناوله فهو حرام حكما ، وجميع ذلك رزق ، وهو تعالى يرزق الناس جميعا ، ويوفر الرزق للناس جميعا ، فلو كانوا متساوين فيه لكفاهم جميعا ، ولكن بعضهم يحوز أرزاق العشرات والمئات والآلاف من الناس ويحرمهم حقّهم فيه ، وكذلك الدول الغنية تستأثر بعطايا الله دون الدول الفقيرة ، فيكون هذا التفاوت فى الأرزاق بين الأغنياء والفقراء ، من الأفراد والدول ، والإسلام اشتراكيته اشتراكية تكافل ، فالغنى يتكفل بالفقير ، والدولة الغنية تتكفل بالدولة الفقيرة ، كقوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣) (البقرة) يعنى مما أعطيناهم ، والإنفاق : هو الحقوق الواجبة العارضة فى الأموال ، سواء على الأفراد أو الدول أو الجماعات ، وبالإنفاق يكون شكره تعالى على نعمه ، كقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (١٥) (سبأ) ، فأيّما إنسان أو دولة لا تنفق فهى لا تشكر الله ، وهى ليست على الإيمان ، كقوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٨٢) (الواقعة) أى شكركم التكذيب ، أى تكذيب رسالات الله إليكم ، وتكذيب نعمه عليكم.
* * *
٣٧٤. الله يعلم ما تخفي الصدور
يقول تعالى : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (١٩) (غافر) ، فمن صفاته تعالى علمه بهذه الدقائق ؛ وخائنة الأعين مسارقة النظر إلى ما نهى الله عنه ؛ ومن ذلك اللّمز