٣٦٦. إشكال المشيئة والإرادة بالنسبة لله وللإنسان
وهل للإنسان مشيئة حيال مشيئة الله؟ وهل له إرادة؟
يأتى عن المشيئة فى القرآن ٢٣٦ مرة ، بمعنى : أن لله تعالى مشيئة وإرادة ، وكذلك للإنسان ، وفى مشيئته تعالى قوله : (إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) (٥٤) (الإسراء) ، وقوله : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) (٨) (الشورى) ، وقوله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) (٢٦) (آل عمران) ، وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) (١٠٧) (الأنعام) ، وفى مشيئة الإنسان : (وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٢٩) (الكهف) ، وقوله : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) (١٥) (الزمر) ، وهناك مع ذلك آيات تنفى المشيئة للإنسان وتثبتها لله وحده ، كقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٣٠) (الإنسان) ، وقوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢٤) (الكهف). والمشيئة فى الأصل : إيجاد الشيء وإصابته ، والإيجاد من الله والإصابة من الناس ؛ والمشيئة تستعمل عرفا فى موضع الإرادة. وأهل السنّة على القول بأن الله شاء فخلق الطين تماثيل مثلا ، وأراد أن يخلق منه الخلق فكان. والإنسان شاء كذلك أن يخلق من الطين ، فكان له ما شاء وأراد. وما كان يمكن أن تكون للإنسان مشيئة ولا إرادة لو لم يخلقهما الله فيه ، ولو لم يخلق له الأدوات التى يحقق بها مشيئته وإرادته ، والله تعالى فى النهاية هو خالق كل شىء ، شاء ذلك وأراد ، وما من مخلوق يستطيع أن يخلق شيئا بدون مشيئته وإرادته تعالى ، فمشيئته وإرادته شرط فى الخلق ، ويستحيل ثبوت المشروط بدون شرطه ، والمشكلة فى الناس أنهم لا يفهمون أن الله بخلاف خلقه ، ويقيسونه وهو الخالق بمقاييس خلقه وهم المخلوقون ، وقياسهم لذلك باطل. والله تعالى لو عاقب من يطيعه لا يعدّ ظالما ، لأن الجميع ملكه ، فله الأمر كله ، يفعل ما يشاء ولا يسأل عمّا يفعل ، وكل أمر موقوف على مشيئته ، وأفعال العباد متعلقة بها. والمشكلة بين أهل السنّة وغيرهم ، أهل السنّة قالوا إن المشيئة والإرادة بمعنى واحد ، فإرادته صفة من صفات ذاته ، بينما غيرهم يرون أنها صفة من صفات فعله ، فيعنى ذلك أن إرادته محدّثة ، أى أنه يحدثها فى نفسه ، وهو تعالى ليس محلا للحوادث ، وإذا كانت لغيره إرادة بطل أن تكون لله الإرادة الكاملة ، وإذا كان للغير العلم بطل أن يكون هو العالم علما كاملا ، وحقيقة المريد أن تكون إرادته منه دون غيره ، فلا مندوحة من الإقرار بأن الله تعالى ـ كما يقول أهل السنة ـ مريد بإرادة قديمة هى صفة قائمة بذاته ، وأنه سبحانه خالق أفعال العباد ، وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء ، وقد دلّ على ذلك قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (٢٥٣) (البقرة) ، فثبت بهذه الآية أن كسب العباد بمشيئته تعالى وإرادته ، ولو لم يرد وقوعه ما وقع. وقال