يمتنع. وفى الحديث عن أبى أمامة فى صحيح مسلم وأخرجه ابن خزيمة قال صلىاللهعليهوسلم : «واعلموا أنكم لن تروا ربّكم حتى تموتوا» ، وإذن فالرؤية لا تكون إلا فى الآخرة. وقد اختلف الصحابة فى رؤية النبىّ صلىاللهعليهوسلم لله تعالى فى الدنيا ، فذهبت عائشة وابن مسعود إلى إنكارها ، وذهب ابن عباس وعكرمة إلى إثباتها ، وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه حلف أن محمدا رأى ربّه ، وجزم به كعب الأحبار ، والزهرى ، وهو قول الأشعرى وغالب أتباعه. والاختلاف حول الرؤية : أكانت بالعين أم بالفؤاد؟ وقال ابن عباس : رأى ربّه بفؤاده مرتين. وفى رواية أخرى قال : رآه بقلبه. وقال كذلك : لم يره بعينه ، وإنما رآه بقلبه. والرؤية بالقلب أو بالفؤاد جائزة لأنها رؤيا أو حلم ، وما نفته عائشة جزما هى الرؤية بالبصر ، ومحصلة الرأيين من العلم الصميم. وعند ما يؤمن الإنسان على الحقيقة فإنه يرى بنور الله ، ورؤيته كالعلم. ومراد ابن عباس بالقطع أن الرؤية بالقلب أو بالإيمان تخلق عند صاحبها انطباعا كالرؤية بالعين. ولما سأل أبو ذرّ النبىّ صلىاللهعليهوسلم : هل رأى ربّه؟ قال : «نور أنّى أراه» ، أو قال : «رأيت نورا» ، ولابن خزيمة عنه قال : رآه بقلبه ولم يره بعينه ، والخلاصة : أن رؤيته تعالى سواء فى الدنيا أم فى الآخرة هى رؤية بالإيمان وليست بالبصر ، وقد نفى الله تعالى إمكان أن يراه إنسىّ بالبصر بقوله كما سبق : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (١٠٣) (الأنعام) والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٣٦٥. الدليل على أن الله لا يرى يوم القيامة
قيل : الآية : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) (المطففين) دليل على أن الكفّار لا يرونه عزوجل يوم القيامة ، ولكن ذلك لا يعنى أيضا أن المؤمنين يرونه ، ـ وقيل الآية : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) (القيامة) دليل على أن المؤمنين ينظرون الله تعالى يوم القيامة ، ولكنهم لا يرونه ، والنظر بخلاف الرؤية ، والنظر تفكّر ، والرؤية مشاهدة. وقيل : إنه تعالى لمّا حجب أعداءه فلم يروه ، تجلّى لأوليائه حتى رأوه ، ولما حجب قوما بالسخط ، دلّ على أن قوما يرونه بالرضا ، ولمّا حجبهم فى الدنيا عن نور توحيده ، حجبهم فى الآخرة عن رؤيته ، بل عن رحمته ، فلا ينظر إليهم برحمته ، ولا يزكّيهم ، والآخرون وقد رضى عنهم فهم ناظرون نعمه ، وما أعدّ لهم من لطائفه. والخلاصة : أن النظر إليه يوم القيامة هو نظر إلى نعم الله وآلائه ، وليس نظرا إلى الله ، وهل الله ينظر ، سبحانه ، وإنما ما ينظر هو أفعاله وخلقه وآيات عظمته.
* * *