هذا الإله المشخص الذى يقول به القرآن؟ فإنك تكون قد طالبت القرآن ، أو طالبته تعالى ، بالأينية. وإن قلت مثلهم : فكيف؟ فقد طالبته تعالى بالكيفية. وإن قلت : فمتى كانت بداية العالم والخلق ، أو متى تكون الساعة؟ فقد زاحمته تعالى بالوقتية. وإن قلت : «ليس» ، فقد عطّلته عن الكونية. وإن قلت : «لو» ، فقد قابلته بالنقصية. وإن قلت : «لم»؟ فقد عارضته فى الملكوتية. وإذن فما ذا يقول المسلم؟ ..
المسلم يقول : سبحانه وتعالى ، هو الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد. ستار للعيوب ، غفّار للذنوب ، قادر ، قدير ، مقتدر ، حكم ، عدل ، صادق ، متكلم ، لا خالق لكلامه ، تنزّه عن الزيف ، وتقدّس عن الحيف ، خلق خلقه فى أحسن فطرة ، ويميتهم ، ويعيدهم للحساب كما بدأهم أول مرة. فهذا ما أخبرنا به ، وما عقلناه مما نرى ونشهد ونسمع ونعقل ، وما تحصّل لنا بالبحث بالمناظير والتلسكوبات ، وبالعلوم والمنطق ، وكلما زدنا علما ، نزداد إيمانا به تعالى كما يخبرنا القرآن ، فالقرآن هو كتابنا ، ونصدقه فى كل ما يقول ، وله إشراقات بقدر عقل كلّ منا ، فهو الكتاب الذى يخاطبنا ويناسبنا جميعا ، لأنه من ربّ العزة إلى الناس كافة ، عربيّهم وأعجميّهم ، وشيوخهم وشبابهم ، ونسائهم ورجالهم ، ونحن نؤمن به تعالى كما قال عن نفسه فى القرآن ، وبما له من صفات وأفعال وأقوال طرحها وشرحها وفسّرها القرآن.
* * *
٣٥٨. النفس والوجه والعندية والمعية صفات لله
من يقرأ قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (٣٠) (آل عمران) ، وقوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (١١٦) (المائدة) ، وقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٥٤) (الأنعام) ، وقوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٤١) (طه) ، وقول النبىّ صلىاللهعليهوسلم يخاطب ربّه : «أنت كما أثنيت على نفسك» ، وقوله تعالى فى الحديث القدسى : «إنى حرّمت الظلم على نفسى» ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «سبحان الله رضا نفسه» ، قد يظن أن الله تعالى له نفس ـ وهو ـ المنزّه عن الاثنينية. والنفس فى اللغة الاصطلاحية على أوجه ، كقولك : «فى نفس الأمر» ، مع أن الأمر ليس له نفس. وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (١١٦) معناه تعلم ما أسرّه ولا أعلم ما تسرّه عنى ، وذكر النفس للمقابلة والمشاكلة. وقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (آل عمران ٣٠) يعنى يحذركم إياه. وإذن فالمراد بالنفس شىء آخر : وقد يكون المراد بها ذات الله ، وذاته ليست بأمر مزيد عليه بل هى هو. وبالمثل فى الحديث : «أنا عند ظن عبدى بى» : «العند» فى اللغة المكان ، ومع ذلك فالله منزّه عن الحلول