وصفوة الخلق والبشرية. وأما المسلمون فهؤلاء أهل التنزيه عن حقّ ، كانوا كذلك ، منذ إبراهيم ، وكل الأنبياء دعوا إلى الإسلام ، والمسلمون عن حق هم الذين يقولون فى الله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١١) (الشورى) ، ويتبرءون مما يقوله النصارى واليهود ، يقولون : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٩١) (المؤمنون) ، ويقولون : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) (٣٢) (البقرة) ، ويقولون : (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) (١٦) (النور). وأهل العلم والدراية يسمون اليهود والنصارى أهل تشبيه ، وهؤلاء لا يرون أنهم يدركون الله إلا إذا شبّهوه ، ويقولون : فكما آثر يعقوب ابنه يوسف ، فكذلك آثر إبراهيم ابنه إسحاق دون إسماعيل ، وكذلك آثر الله إبراهيم دون الناس جميعا ، وكذلك آثر شعب إسرائيل ، فهو شعب الله سواء اتقى أو فسق ، وسواء عبد العليم أو عبد نفسه. وعندهم أن الله خلق آدم على صورته ، أى على صورة الله ، فكما الله كان آدم ، وآدم له صاحبة وولد ، وكذلك كان الله ، فاتخذ مريم صاحبة ، والمسيح ابنا ، وعبد النصارى الله فى الثالوث ، وقالوا المسيح ابن الله ، ودليل كل هؤلاء المشبّهين مادى ، فإن قال الله إن له يدا فله يد وتشبه أيدينا ، وإن قال له وجه فله وجه يماثل وجوهنا ، والمعرفة عندهم مادية تشبيهية ، أى تمثّل عيانا ما لا يمكن معرفته حسّا وعقلا. وهؤلاء نسميهم ، نحن المسلمون ، أهل العجز ، يعنى عجزوا عن معرفته تعالى عن بحث ونظر واستبصار ، وحجتهم أن الله قد أورد أن المعرفة به لا تكون إلا خبرية ، وأن الإيمان به تصديق ، وأن التفكير فيه إنما هو تفكير فى آلائه دون ذاته ، فذاته غيب ، والتفكير فى ذاته يثير الشكوك ، والعجز عن درك الإدراك هو إدراك. ولهذا صاروا أهل حلول واتحاد ، فلم يفرّقوا بين الله وخلقه ، فالله عند اليهود هو الكون قد حلّ فيه واتحد به ، فلا وجود لإله إن حلّ فى شىء ليجسّمه ويوجده فعلا ، ولا وجود مشخص لإله مفارق ، فالله هو مصنوعاته ، والعالم الذى يضجّ بالحياة هو من فيوضه ، ومتخارج منه وامتداد له ، وفلاسفتهم على أن معرفة الله من طريق معرفة العالم من حولنا ، فهو تعالى فيه ، وفيك أنت نفسك ، وفى قلبك ، وفلاسفة الوجودية منهم على هذا الاعتقاد ، ولكن أهل التحقيق من بين المسلمين ، يجمعون بين الخبر والنظر ، وبين النقل والعقل ، وبين الدين والفلسفة ، فالله تعالى هو كما يقول عن نفسه ، وكما أخبر عنه أنبياؤه فى القرآن ، وكما ينتهى إليه العقل والتفكير فى الخلق. والقرآن دون التوراة والأناجيل ، له خطاب ، والخطاب القرآنى يتوجه إلى أصحاب العقول ، وأولى الألباب والنهى ، الذين يتفكّرون ويتعقّلون. فإن أنت يا أخى المسلم ، فعلت فعل الفلاسفة المحض ولم تأخذ بالدين ، أو قلت كما يقول اليهود ، أو قلّدت النصارى ، وقلت مثل هؤلاء وهؤلاء : فأين