لأنه ولد هكذا ، وعرف النصرانية بالوراثة ، ومعرفته بالله خبرية ، كذلك اليهودى ، وكذلك المسلم ، وطالما أننا نتكلم عن الإسلام والقرآن ، فإن المسلم المقلّد دليله القرآن ، كقوله : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (١٦٣) (البقرة) ، وقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) (الإخلاص) ، وقوله : (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٨) (طه) وغير ذلك من الإخبار عنه تعالى وعن صفاته وأسمائه وأفعاله. فمعرفته بالله تكون عن هذا الطريق ، ومن خلال التربية فى البيت والتلقى على الأبوين. وهناك صنف آخر هم أهل النظر ، وهؤلاء طريقهم مختلف ، ويستدلون بالصنعة على الصانع ومعرفتهم جدلية ، أو يستدلون بالصانع على الصنعة ومعرفتهم قياسية. وأهل النظر من المسلمين على الزعم بأن طريقتهم هى المثلى ، فما أكثر الآيات التى تحضّ على التفكّر والتدبّر فى القرآن ، كقوله : (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) (٥٠) (الأنعام) ، وقوله : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١٩١) (آل عمران) ، وقوله : (نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤) (يونس) ، وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧٦) (الأعراف). وبقدر ما يشاهد هؤلاء ويرون ويفهمون من عظمة الخلق ، بقدر ما يعقلون عن عظمة الخالق ، وبقدر ما يقدّرون الله بالقياس على مخلوقاته ، والله موجود لا شك فى ذلك ، فما كانت السموات والأرض وما بينهما ، والشمس والقمر ، والفلك والأنعام ، والذكر والأنثى ، والإنسان والبيان ، والموت والحياة ، والزروع والنبات ، والحيوان والطير ، والجبال والسحاب والمطر ، والماء والعيون ، والأنهار والبحار ، والليل والنهار ، إلى آخر ما نعرف ـ وما لم نعرف ـ ما كان كل ذلك باطلا ، ولم يوجد فى الكون عبثا ، وما كان هذا المخطّط الكبير للكون إلا ووراءه مخطّط ، وما كانت له كل هذه العمارة إلا لأنه مهندس كبير بتعبير العصر ، فالله موجود ، وهو واحد وإلا لاختلف الآلهة وتصارعوا ، ودلائل وجوده ووحدانيته وصفاته كلها فيما حولنا ، وما تحتنا ، وما فوقنا ، وما يحيط بنا من كل جانب ، فلا سبيل إلى إنكاره تعالى ، أو تجاهل صفاته ، فالذى خلق هو خالق ، والذى أوجد هو واجد ، والذى يرزق هو رازق وهكذا. وأهل النظر إذن : هم طبقة أرقى وأعلى وأسمى ، ومنهم من يبلغ تفكيرهم إلى الذرى ، فينزّهون الله عن كل اللواحق ، كقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) (الإخلاص) ، وهؤلاء صنف ثالث هم أهل التنزيه ، والنصارى ليسوا منهم لأن تفكيرهم أدنى من أن يتسامق بهم ، فهم ماديون يكتفون بما يشاهدون ثم يلجئون إلى التأويل ، ويتوهون فى الخرافات والخزعبلات والتلفيقات ، وكذلك اليهود ، هم أهل ماديات ، وليست عبادتهم للعجل إلا كرمز للمادة ؛ والمادة جعلوها مجالهم واختصاصهم ، فانتهوا إلى أن عبدوا أنفسهم واعتقدوا أنهم أولاد الله ، وشعبه المختار ،