وصف نفسه فى القرآن ، وكما وصفه أنبياؤه ، فهو يجيء ، وينزل ، ويأتى ، ويستوى ، ويحب ، ويكره ، وله الوجه ، واليدان ، والبصر ، والسمع ، وإنما كل ذلك ليس مما نعرف منه لنا وللحيوان ، وليس من باب التشبيه ، ولا التجسيم ، فهو تعالى عند المسلمين ، وإن كانت له هذه الصفات ، إلا أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١١) (الشورى) ، والمتشابهات فى القرآن : هى الآيات التى تعرضت لصفات الله ، كقوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (٧) (آل عمران) ، وهى التى يحاول الكثيرون أن يتعرضوا لها بالتأويل. والمسلمون على الاعتقاد بأن المحكم والمتشابه كلاهما من القرآن ، وجميعهما من الله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٧) (آل عمران). والأولى أن نعتقد أن التشبيه لله تعالى بأفعال أو أعضاء الإنسان هو من باب التمثيل بما نستطيع أن نفهمه ، وأحرى بمن يعقل : أن يفكر فى آلائه تعالى من أفعاله وصفاته المرئية والمشاهدة ، من أن يفكر فى ذاته تعالى ، أو أن يتساءل هل لله يد؟ وهل له مقعدة يستوى بها؟ وهل له عينان يرى بهما؟ وأذنان يسمع بهما؟ والتساؤل فى مثل ذلك مما ورد فى القرآن من نوع المتشابهات ، قد يؤدى إلى الشك ، وقد فعل ذلك بالكثيرين ، ومثله هذا الشك الإيجابى عند إبراهيم ، عند ما قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٢٦٠) (البقرة) ، والشك السلبى عند الآخر فى قوله تعالى : (كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) (٢٥٩) (البقرة) ، وعند موسى ، كقوله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (١٤٣) (الأعراف) ، فمثل هذه الأسئلة عند هؤلاء الثلاثة ، ما كان من الممكن أن ترد أصلا على خواطرهم ، لأن الاستدلال على أن الله خالق ، ممكن من غير طريق البيان العملى ، وذلك باستخبار إبداعه فى الكون ، وما أكثر آيات الخلق فى القرآن ، وليس استجلاء هذه الآيات فى الكون أو فى القرآن هو عمل أهل العلم وحدهم ، بل إن الطفل الصغير ليعبر عن الدهشة إزاء ما يرى من إبداع فى الكون ، وقد يلجأ إلى الرسم ليصوره ، وإنما «الراسخون فى العلم» هم المنوط بهم استجلاء حقيقة هذه الآيات والتنويه بما فيها من إعجاز. فما ذا عن «العامة» وهم الناس البسطاء الذين ليست لهم عقول العلماء ولا أدواتهم؟ وتدبّر القرآن هو ما يناسبهم ، والقرآن فى آياته يكتفى بالإشارة إلى آيات الله المقروءة ، ويلفت إليها الأسماع والأنظار ، ويستثير بها التفكير. وآياته تعالى دليل صفاته ، وصفاته دليل وجوده وتصدير له ، ومن يعرف صفاته يعرفه تعالى ، فكأن الله تجلّى له ، تماما كبراهين «إبراهيم» و «موسى» و «الذى مرّ على القرية» مما عاينوه فعرفوا الله به. والناس عموما فى معرفته تعالى أصناف ، وهم إما أهل تقليد : يقلدون آباءهم ، فالنصرانى نصرانى