لهم : «قولوا لا إله إلا الله تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم» ، فأبوا وأنفوا ، وفيهم أنزل الله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) (٣٥) (الصافات) ، وقال : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) (٢٦) (الفتح) ، وقيل «كلمة التقوى» هى : «لا إله إلا الله» استكبر عنها المشركون يوم الحديبية ، يوم كاتبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الهدنة ، وأوصى الله تعالى بها نبيّه فقال : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (١٩) (محمد) ، فأخبر أنه تعالى أعلم بها نبيّه لما علمها استدلالا أولا ، فأعلمه بها يقينا ثانيا. والعلم بها للمسلم أن يذكرها ، عبّر تعالى عن الذكر بالعلم ، لأن الذكر يترتب على العلم ، والذكر عمل ، فإذا علم المسلم وتيقن أنه «لا إله إلا الله» ، فعليه عندئذ بذكره تعالى ، أى بشكره على نعمه والثناء عليه ، وأن يتوجّه بالعبادة له ، ومن العبادة عمل الصالحات وإعمار الأرض. وكما أنه لا إيمان من غير عمل ، فكذلك لا عمل إلا من بعد معرفة وعلم. والكافر لو عرف الله لافتخر بعبوديته له ، ولما استكبر أن يقول «لا إله إلا الله» ، كقوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) (النساء ١٧٣) ، ومن عرف الله لا لذة له إلا فى طاعته ، والانقطاع إليه عن الخلق ، كما كان نبيّنا صلىاللهعليهوسلم يفعل. ومن قال «لا إله إلا الله» بعلم ، فإنه يذكر معناها ، ويتحقق بحقيقتها ، وذلك هو الإخلاص ، فالعبد يعلم أولا ربّه بدليل وحجة ، وعلمه كسبى ، وهو أصل الأصول ، وينبنى عليه العلم الاستدلالي ، ثم تزداد قوة علمه بزيادة البيان والحجج.
* * *
٣٤٧. شهادة الحق لا إله إلا الله
لا يشهد بالحق إلا الملائكة والأنبياء والمؤمنون ، وهؤلاء هم الذين يعلمون ولذلك يشهدون ، وشهادتهم هى الحق ، كقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٨٦) (الزخرف) ، وشهادة الحق هى قولهم : «لا إله إلا الله» ، يقولونها عن علم ، كقوله تعالى : (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٢٥) (النور) وعلمهم ب «لا إله إلا الله» هو علم بحقيقتها. وفقه ذلك : أن شرط سائر الشهادات فى الحقوق أن يكون الشاهد عالما بها.
* * *
٣٤٨. إله المسلمين إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم
قيل : إن كفّار قريش سألوا النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن ينسب لهم ربّه ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ