يدعو غدا إلى الاستغناء عن القرآن بالعقل والعلم والحضارة. ولا يعيب السنّة أن يكون ضمن أحاديث الرسول صلىاللهعليهوسلم عدد من الأحاديث الموضوعة والمنسوبة إليه ، والتى غايتها إحداث البلبلة ، وصرف الأمة الإسلامية عن دينها ومقصود هذا الدين فى الحياة ، وأن : تقسم المسلمين طوائف وشيعا وفرقا. وأحكام القرآن جامعة وعامة ، وحتى ما كان منها مفصّلا ، فإنه يحتاج أن يصرف إلى ما يناسب الأمصار والأحوال والأزمان ، والسنة هذه وظيفتها ، وذلك هو عمل الرسول صلىاللهعليهوسلم : أن يشرح ، ويفسر ، ويبيّن ، ويبلّغ ، وينافح عن الدين. وفى القرآن يأتى عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) (٩٩) (المائدة) ، فأى بلاغ عليه؟ يقول تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) (٥٢) (إبراهيم) ، يعنى بالبلاغ القرآن ، ويقول : (إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٢٣) (الجن) يعنى ليس علىّ النبىّ إلا التبليغ عنه تعالى ، وإلا ما أوكله بإبلاغه. ويشرط هذا التبليغ بأن يكون مبينا ، كقوله تعالى : (أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٩٢) (المائدة) ولم يختص النبىّ صلىاللهعليهوسلم بالبيان دون الرسل كافة : (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٣٥) (النحل) أى البلاغ الذى يفصح ويظهر ويوضح ، وأصل أبان : وضّح ، تقول : هذا الشيء بيّن : أى واضح ، والبيان : هو الكلام الذى يكشف عن حقائق الأمور ، والبيّنة : هى الحجة الواضحة ، فإذا قال الله تعالى : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (٥٦) (الكهف) وقال لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (٨) (الفتح) فإن عليه أن يبيّن هذه الشهادة وتلك البشارة والنذارة ، وهو ما تناوله صلىاللهعليهوسلم فى أحاديثه ، وفيما يقال له السنة النبوية ؛ والسنة : هى الطريقة والسيرة ؛ وسنة الله : هى فطرته التى خلق الخلق عليها ، وهى حكمه السارى فيهم ، وسنة النبىّ صلىاللهعليهوسلم هى ما ينسب إليه من قول أو فعل أو تقرير ، وهى طريقته صلىاللهعليهوسلم : فى فهم نصوص القرآن ، وهى طريقة مرضية من غير افتراض ولا وجوب ، ونسبة السنّة إلى القرآن كنسبة القوانين إلى الدستور ، والسنّة تفصّل مجمل القرآن ، وتقيّد مطلقه ، وتوضّح متشابهه ، وتشرح ما فيه من تعاليم وما جاء به من حكم ، والرسول صلىاللهعليهوسلم قال عن نفسه : «بعثت معلما» ، وجاء عنه فى كتاب الله : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٥) (النجم) ، إعدادا له لرسالته التى يقول فيها : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (١٥١) (البقرة) ، فأما آياته تعالى فهى القرآن ، وأما التزكية فهى تعاليمه صلىاللهعليهوسلم فى الآداب التى مفادها اكتساب مكارم الأخلاق وتطهير النفوس من أدناسها ومن أفعال الجاهلية ، ويندرج ذلك تحت