الحكمة : وهى السنة النبوية المطهرة ، ووصفنا لها بالمطهرة تنقية لها من الأحاديث الموضوعة ، وهى التى تخالف القرآن ، وتتخالف والعقل ، وينكرها القلب المؤمن. وقوله تعالى : (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أنه صلىاللهعليهوسلم وسّع مداركهم حتى صاروا أعمق الناس علما ، وأبرّهم قلوبا ، فكانت تعاليمه أو سنّته صلىاللهعليهوسلم كما قال : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١٦٤) (آل عمران). فكأن السنّة منّة من الله تعالى ، ومن لم يعرف قدر هذه النعمة فهو المذموم المدحور ، ويقول فيه الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٢٨) (إبراهيم) يعنى بنعمة الله محمدا المجسّد للسنة المطهّرة ، ولهذا ندب المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة وأن يقابلوها بالذّكر والشكر ، فقال (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (١٥٢) (البقرة) ـ ولما ذا؟ والجواب : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) (١٥١) (البقرة) ، يعنى كما فعلت ذلك فاذكرونى. والمسلم إذن عليه الأخذ بالسنّة فهذا من الإيمان بالله ، والرسول فى تعاليمه هو الأسوة لنا بنصّ القرآن : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٢١) (الأحزاب) ، والأنبياء عموما قدوة ، كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) (٨٩) (الأنعام) ، وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٩٠) (الأنعام) ، والقدوة اتباع للهدى ، وهدى نبينا هو السنة ، ونبيّنا ليس عمله التبليغ فقط ، وإنما هو المقيم للإسلام ، وهو يجسّد القرآن ، وكانوا يسألون عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتقول : «هو القرآن» ، وكان المسلمون الأوائل يقولون : إنهم لا يقرءون القرآن قراءة وإنما يتدبرونه ويعايشون آياته ، كما كان يفعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقد كان ربّانيا يعايش القرآن فى حياته وواقعه ، فيساوى بين النظرية والتطبيق ، ويحيل الآيات واقعا ممكنا.
والسنة نظرية وعملية ، وهى واقع فكرى واعتقادى ، وفلسفى ، وأخلاقى وجمالى ، واقتصادى واجتماعى ، وتربوى وقانونى ، وتشمل كل مجالات الحياة ونواحى الحضارة. والأخذ بها طاعة لله أولا ولرسوله ثانيا ، وقد ورد الأمر بطاعة الله ورسوله معا سبع مرات فى القرآن ، ووردت طاعة الله فقط خمس مرات ، وطاعة الرسول ست مرات ، وقرنت طاعته صلىاللهعليهوسلم بتقوى الله إحدى عشرة مرة ، وجاء الأمر باتّباعه تعالى واتباع رسوله صلىاللهعليهوسلم بالإضافة إلى أولى الأمر مرة واحدة فى قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥٩) (النساء). وعدم الطاعة لله تعالى ولرسوله تؤذن بالتنازع والفشل (الأنفال ٤٦) ، والطاعة لهما على العكس مردودها الرحمة (آل عمران ١٣٢) ، وفيها الفوز العظيم