أن محمدا رأى ربّه .. فقد أعظم على الله الفرية ، ولكنه رأى جبريل ، لم يره فى صورته إلّا مرتين : مرة عند سدرة المنتهى ، ومرة فى أجياد». ولقد وهم ابن عباس عند ما قال : «رأى محمد ربّه مرتين» ، ووهم عكرمة إذ يقول مؤكدا : قد رآه ، ثم قد رآه!! ـ وعائشة كذّبت ذلك ، وقالت الحق فيما أخرجه الشيخان عند ما سألها مسروق هذا السؤال : سبحان الله! لقد قفّ شعرى لما قلت! أين أنت من ثلاث ، من حدّثكهن فقد كذب؟ : من حدّثك أن محمدا أسرى به ببدنه وفى اليقظة فقد كذب ـ ثم قرأت : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (٦٠) (الإسراء) والرؤيا هى ما يتراءى فى المنام ، وتكون بالنفس وليس بالجسد ؛ ومن حدثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب ـ ثم قرأت : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٠٣) (الأنعام) ، و (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١) (الشورى) ؛ ومن أخبرك أن محمدا قد كتم فقد كذب ، ثم قرأت (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٦٧) (المائدة). ولكنه رأى جبريل فى صورته مرتين. وفيما أخرجه أحمد ، أن مسروقا قال لعائشة : «أليس الله يقول : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (٢٣) (التكوير) ، و (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) (١٣) (النجم)؟ فقالت : أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنها فقال : «إنما ذاك جبريل» ، لم يره فى صورته التى خلق عليها إلا مرتين : رآه منهبطا من السماء إلى الأرض سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض» أخرجه الشيخان. وهو ما ينبغى أن يكون عليه اعتقادنا ، وإلا كنا نؤلّه نبيّنا صلىاللهعليهوسلم كما فعل النصارى مع عيسى عليهالسلام! ثم إن عائشة أنكرت شرعا أن يرى محمد صلىاللهعليهوسلم ربّه رأى العين ، لأنه تعالى قال : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١) (الشورى) وهو دليل ثان على نفى الرؤية عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، إذ أنه تعالى حصر تكليمه للبشر فى ثلاثة أوجه : إما بالوحى ، أو الكلام من وراء حجاب ، أو يرسل إليه رسولا فيبلّغه عنه ، وفى جميع الأحوال يستلزم ذلك نفى الرؤية عنه حال التكليم ، ومن ثم نفى الرؤية مطلقا. ولا موجب من ثم أن يقول كعب الأحبار : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد ، فكلم موسى مرتين ، ورآه محمد مرتين!!
* * *
٢٨٦. كيف يكون نبيا بينما الشيعة يؤكدون أنه
كتم بعض ما أمر به ولم يطلع عليه أحدا سوى على؟
أيما رسول فهو مبلغ عن ربّه ، وفى القرآن : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ