٢٧٤. (الكفّار لا يعذبون والنبىّ بينهم)
فى القرآن كله لم يحدث أن عذّب الله قوما إلا بعد أن يخرج النبىّ من بينهم والمؤمنون ، ويتوجهوا إلى حيث أمروا ، وذلك ما حدث مع الرسول صلىاللهعليهوسلم وأهل مكة ، قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) (الأنفال) ، فلو لا أنه صلىاللهعليهوسلم يساكنهم ، ومنهم من آمن أو سيؤمن ، وعندئذ سيستغفرون ، لأنزل بهم العذاب ، وقال : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٤) (الأنفال) ، يعنى أنهم استحقوا العذاب ، فقد صدوا المسلمين عن المسجد الحرام ، ولم يتّقوا الله فى أنفسهم ولا فى المؤمنين ، وفى تفسير الآية قال صلىاللهعليهوسلم : «أنزل الله علىّ أمانين لأمتى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) (الأنفال). وقيل : كان رجل فى المدينة أيام النبىّ صلىاللهعليهوسلم وقد أسرف على نفسه ، ولم يكن يتحرّج ، فلما أن توفى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، زهد وتاب ، وأظهر الدين والنّسك ، فقيل له : لو فعلت هذا والنبىّ صلىاللهعليهوسلم حىّ لفرح بك! قال : كان لى أمانان ، فمضى واحد ، وبقى الآخر ، فقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (٣٣) (الأنفال) فهذا أمان ، ومضى بوفاته صلىاللهعليهوسلم ، وقوله (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) (الأنفال) أمان ثان ، وهو ما بقى للرجل ، فلزم أن يستغفر وإلا عذّب. وأما أهل مكة فإن الله عذّبهم بالسيف بعد خروج النبىّ صلىاللهعليهوسلم.
* * *
٢٧٥. لما ذا لم يحاكم الرسول صلىاللهعليهوسلم المنافقين مع علمه بنفاقهم؟
أمسك النبىّ صلىاللهعليهوسلم عن قتل المنافقين ، رغم أذاهم الشديد له ، وعلمه بنفاقهم ، وفى سورة البقرة وحدها ثلاث عشرة آية فيهم ، والسبب فى عدم قتلهم أنه يقصد إلى تأليف القلوب عليه لئلا تنفر عنه ، قال : «معاذ الله أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى» أخرجه البخارى ومسلم ، وكان يعطى المؤلفة قلوبهم ما يتألف به قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم. وفى قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٦١) (الأحزاب) أنهم يقتلون إذا أعلنوا النفاق ، والنفاق أيام الرسول صلىاللهعليهوسلم يعادل أقوال المدّعين للعلمانية والتنوير اليوم ، وكفّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهم ليبيّن لأمته أن القاضى لا يحكم بعلمه بدون شهادة الشهود ، ولم يشهد على عبد الله بن أبىّ إلا زيد بن أرقم ، ولا على الجلاس بن سويد إلا ربيبه عمير بن سعد ، والواجب أن يكون الشهود اثنين ، والذى يعلن