ولما نادى ولم يمتثل الجبل لجأ إلى المغالطة فقال : إن لم يحضر الجبل إلى محمد فإن محمدا سيذهب إلى الجبل»! ـ وذهب هوجو دوجروت مؤلف الرسالة المشهورة «قانون الحرب والسلام» إلى أن محمدا كان قاطع طريق ، ومغتصب نساء ، وله فضائح ومهازل ، وزعم أنه ساحر ، وطبيب مزيف ، وادّعى أن حمامة تطير إلى أذنه وتهمس فيه أطلق عليها اسم الوحى ، وزعم أن البعير ركع له ، وأن الماء يفر من بين أصابعه ، وأنه أسرى به إلى أورشليم ، وعرّج به الى السماء ، وأن ديانته لم ترج إلا بالسيف ، وكان شديد التعطش إلى دماء مخالفيه ، وما كان يتيح لأتباعه أن يخالفوه أدنى مخالفة. وكان من بين الذين كتبوا عن القرآن ومحمد وقدحوا فيهما أشدّ القدح : هوتنجر (١٦٥١) ، وبالنجر (١٥٧٥) ، وبريدو (١٦٩٩) ، وأدريان رولاند (١٧١٨) ، وكيتانى ، وفلهوزون ، وجولد تسيهر ، وجريم ، وفوستفلد ، ورودنسون ، ووات ، وزويمر ، وبارت ، وباريز ، وتشامبر ، ونولدكه ، وعشرات غيرهم ، وأطلق هؤلاء عليه اسم المخادع ، والنصّاب ، والثرثار ، وهكذا ... وكما ترى أن كل هذه الصفات والترهات تطعن فى أصحابها وتشينهم ، وتكشف عن تعصّبهم المقيت ، وزيغهم عن الحق ، وبعدهم عن الموضوعية والعلمية ، وأن المغالطات هى دأبهم ، وأبرز مغالطاتهم أنهم تركوا الدعوة الإسلامية وما يتطرق إليه القرآن من موضوعات إلى الطعن فى محمد وخلقه ، والتشهير به فيما لا طائل منه ، وما لم تثبت صحته ، والتجافى عن الحق الصراح إلى الباطل الشائن ، يحاولون أن يظهروه على الحق ، والحقّ أبلج ، وفى القرآن : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٧١) (آل عمران) ، وسيظل هذا شأنهم ، يكتمون الحق ، ويكفرون بالإسلام ، وبالقرآن وبمحمد ، ويغلون فى دينهم ، ويتّبعون أهواءهم ، ويتكبّرون فى الأرض ، ويحكمون بالطاغوت ، ويجادلون فى الله ، ويبتغون الفتنة ، ويمترون ، والله بالغ أمره ، وسيقذف الحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، حتى يكون الدين لله.
* * *
٢٧٣. الفرق بين «يا أيها النبى» و «يا أيها الرسول»
فى القرآن صيغتان يخاطب بهما الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، الأولى : يا أيها النبىّ» ، ويتكرر ذلك ثلاث عشرة مرة ، ولم يحدث أن خاطبه ربّه باسمه مجردا مثلما خاطب إبراهيم ، ونوحا ، وموسى ، وعيسى ابن مريم ، فقال «يا إبراهيم» ، و «يا نوح» ، و «يا موسى» ، و «يا عيسى ابن مريم» وكل خطاب فيه «يا أيها النبىّ» : المقصود بالخطاب النبىّ ، وجماعة المؤمنين ، وأهل الإسلام جميعهم ؛ وكل خطاب فيه «يا أيها الرسول» : المقصود به الرسول صلىاللهعليهوسلم بشخصه ، يخاطب باللفظ والمعنى جميعا ، ويتكرر ذلك فى القرآن مرتين.
* * *