وحده الذى يتهم النبىّ صلىاللهعليهوسلم هذا الاتهام ، سواء فى الماضى أو فى الحاضر ، فلقد كان هناك أبو جهل أيضا ، وهذا لقبه ، وكان اسمه عمرو بن هشام المخزومى ، ويكنونه «أبا الحكم» ، فدعاه المسلمون «أبا جهل» ، وكان من أشد الناس عداوة لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ولمّا سأله الأخنس بن شريق الثقفى ـ وكان قد استمعا شيئا من القرآن : ما رأيك يا أبا الحكم فيما سمعت من محمد؟ قال : ما ذا سمعت؟! تنازعنا الشرف نحن وبنو عبد مناف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا. حتى إذا تحاذينا على الرّكب ، وكنا كفرسىّ رهان ، قالوا منا نبىّ يأتيه الوحى من السماء! فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه! ـ وشارك فى وقعة بدر وقتل. وهو الذى نسب إلى محمد أن جبرا مولى الحضرمى ، وعدّاسا غلام عتبة يمليان عليه!! ومن ثم كانت الآية : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٥) (الفرقان) ، يعنى أنه ينقل من كتب الأولين ويستنسخها فى أول النهار حتى آخره. وفى الأثر عن مجاهد فيما ذكر الماوردى ، ثم أبو حيان : أن اليهود هم الذين اتهموه هذه التهمة ، ولذا قال بعضهم لبعض فيما روته الآية : (قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٧٦) (البقرة). وقال ابن عباس : المراد «بالقوم الآخرين» فى الرابعة من سورة الفرقان : الذين أعانوه وأملوا عليه : أبو فكيهة مولى بن الحضرمى ، وعدّاس ، وجبر ، وكان هؤلاء الثلاثة من أهل الكتاب. ويقول القرطبى فى الآية : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣) (النحل) أنهم اختلفوا فى اسم هذا البشر الذى يعلمه ، فقيل هو غلام «الفاكه بن المغيرة» واسمه جبر ، وكان نصرانيا وأسلم. وكانوا إذا سمعوا من النبىّ ما مضى وما هو آت ـ مع أنه أمى لم يقرأ ، قالوا إنما يعلمه جبر ـ وهو أعجمى ، فقال الله تعالى : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣) (النحل) ، أى كيف يعلّمه جبر ـ وهو الأعجمى ، هذا الكلام الذى لم يستطع أحد أن يعارض منه ولو سورة واحدة؟ وقالوا : أن مولى جبر كان يضربه ويقول له : أنت تعلّم محمدا! فيقول : لا والله ، بل هو يعلمنى ويهدينى! ـ وقال ابن إسحاق : كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم ـ فيما بلغنى ـ كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام نصرانى يقال له جبر ، عبد بنى الحضرمى ، وكان يقرأ الكتب ، فقال المشركون : والله ما يعلّم محمدا ما يأتى به ، إلا جبر النصرانى! وقال عكرمة : اسمه «يعيش» كان عبدا لبنى الحضرمى ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم يلقنه القرآن. وذكر الثعلبى عن عكرمة وقتادة : أنه غلام لبنى المغيرة اسمه يعيش ، وكان يقرأ الكتب الأعجمية ، فقالت قريش : إنما يعلّمه بشر ، فنزلت الآية. وقال المهدوى عن عكرمة : هو