القلبين» من دهائه ، وكان يقول : إن لى فى جوفى قلبين ، أعقل بكل واحد منهما ، أفضل من عقل محمد» ، وكان الرجل من فهر. وفى رواية الواحدى والقشيرى وغيرهما سمّياه «ذا القلبين» ، وقالوا : نزلت الآية فى جميل بن معمر الفهرى ، وكان رجلا حافظا لما يسمع ، فيقال عنه : ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان ، وكان يقول عن نفسه معرّضا بالنّبى صلىاللهعليهوسلم : لى قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد!! فلما هزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل هذا ، ورآه أبو سفيان فى العير وقد علّق إحدى نعليه فى يده ، والأخرى فى رجله ، قال له : ما حال الناس؟ قال : انهزموا. قال : فما بال إحدى نعليك فى يدك والأخرى فى رجلك؟ قال : ما شعرت إلا أنهما فى رجليّ! فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسى نعله فى يده! وقيل : الرجل هو جميل بن معمر الجمحى ، وكان يدعى ذا القلبين ، فنزلت فيه الآية. وقال الزمخشرى : هو جميل بن أسد الفهرى. وقيل هو عبد الله بن خطل. ـ والقصة كما ترى مختلقة ، ولا أساس لها ، وجميل هذا أو عبد الله غير معروف واختلفوا فى اسمه ، ولكنهم ألّفوا القصة ليعرّضوا بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم. وفى رواية ابن عباس : أن المنافقين قالوا : إن محمدا له قلبان ـ يعنى نسبوا مسألة القلبين هذه المرة للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فيكون فى شىء فينزع إلى غيره ، ثم يعود إلى شأنه الأول! ـ يعنى كان مترددا لا يستقر على رأى ولا حال ، ولم يكن الرسول صلىاللهعليهوسلم من ذلك فى شىء ، فلو كان به هذا التردد لما تجمّع الناس حوله ، ولما نجحت الدعوة ، وللحقت به الهزيمة ، وإنما كان صاحب عزم ، ولذا قال له ربّه : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (١٥٩) (آل عمران) ، وقال : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) (آل عمران) ، وقال : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) (٣٥) (الأحقاف) ، فلو لم يكن له عزم ما خاطبه الله به ، ولكنه كان موفور العزم ، على عكس آدم الذى قال الله تعالى فيه : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (١١٥) (طه).
وللزهرى وابن حبّان تفسير آخر مرتبط ببقية الآية ، وبقصة زيد بن حارثة لمّا تبنّاه النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فكما لا يكون لرجل قلبان ، كذلك لا يكون ابن واحد لرجلين. ولكن الآية أكبر من أن تضرب كمثل لحالة زيد ، ففيها أيضا تكذيب للمظاهر لأمّه ، فكما لا يكون للرجل قلبان ، كذلك لا تكون للمظاهر لأمه أمّان ؛ وفى الآية أيضا تكذيب للمنافق ذى القلبين أو الوجهين. والصحيح أن الآية لا هى لهذا ولا لذاك ، ولكنها لتأكيد هذه الحقيقة : أنه لا يمكن أن يجتمع ضدان فى القلب الواحد ، كالكفر والإيمان ، والهدى والضلال ، والإنابة والإصرار ؛ وأن يدّعى أحدهم الإسلام ، وهو يضمر اليهودية أو النصرانية ، فإنما للإنسان قلب واحد ، فإما فيه إيمان أو فيه كفر ، ونفى الله تعالى التوسط بين الإيمان والكفر ، والنفاق من