يطيعهم : أن لا يسمع منهم ولا يستشيرهم ، والله هو العليم الحكيم ، أى الأحق بأن تتّبع أوامره ، لأنه العليم بعواقب الأمور ، والحكيم فيما يريد ، ولذا قال بعد ذلك : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣) (الأحزاب). وهذا هو التفسير الصحيح لهذه الآيات ، إلا أن رواة الإسرائيليات ذهبوا بعيدا ، وربطوا نزول هذه الآيات بمناسبات ترجع القرآن إلى أسباب تتعلق باليهود خاصة ، وتهمّ اليهود أن تنتشر هذه الأسباب ليجعلوا مردّ آيات القرآن لأحداث ترتبط بهم ، فذكر أبو حيان فى البحر المحيط : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا هاجر إلى المدينة ، كان يحب إسلام اليهود : قريظة ، والنضير ، وبنى قينقاع ، وتابعه أناس منهم على النفاق ، وأنه صلىاللهعليهوسلم كان يلين لهم جانبه ، ويكرم صغيرهم وكبيرهم! وإذا تحصّل منهم قبيح ، تجاوز عنه! وكان يسمع منهم! فنزلت هذه الآية تنهاه عن ذلك!! وكل ذلك غير صحيح ، والدليل عليه ، أن الروايات تباينت فى ذلك ، ففيما يذكر الواحدى ، والقشيرى ، والثعلبى ، والماوردى ، وغيرهم ، أن أبا سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبى جهل ، وأبا الأعور عمرو بن سفيان ، نزلوا المدينة بعد أحد ، على عبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين ، وقد أعطاهم النبىّ الأمان على أن يكلّموه ـ أى يكلموا النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا له وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزّى ومناة ، وقل إن لها شفاعة ومنعة لمن عبدها ، وندعك وربّك!. (أنظر حكاية الغرانيق من سورة النجم) قيل : فشقّ على النبىّ ما قالوا. فقال عمر : ائذن لى يا رسول الله فى قتلهم ، فقال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «إنى قد أعطيتهم الأمان». فالتفت إليهم عمر مغضبا وقال : اخرجوا فى لعنة الله وغضبه. فأمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يخرجوا من المدينة ، فنزلت الآية. وفى رواية أخرى يذكر الزمخشرى فى الكشاف : أن أبا سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبى جهل ، وأبا الأعور السلمى ، قدموا على النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى الموادعة التى كانت بينه وبينهم ، وقام معهم عبد الله بن أبىّ ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس ، فقالوا للرسول : ارفض ذكر آلهتنا ... القصة ، وأن الآية نزلت فى نقض العهد ونبذ الموادعة. وفى روايات أخرى يذكرها السيوطى فى الدرر ، وأبو حيان فى البحر : أن أهل مكة دعوه إلى أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم ، ويزوّجه شيبة بن ربيعة بنته ، وخوّفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع ، فنزلت الآية. ومن الغريب أن بعض المفسرين يذكر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يميل إليهم بدعوى أن يستدعيهم إلى الإسلام! ولذلك قالوا فى التفسير فى معنى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١) (الأحزاب) أنه تعالى لو علم أن ميله إليهم فيه منفعة لما نهاه عنهم. وفى رواية أخرى : أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قدم عليه وفد من ثقيف ،