الآية : هو أن يعطى الرجل مطلقته حقوقها كاملة ؛ وقيل : هو أن يطلقها طلاقا بائنا من غير ضرار ولا منع واجب لها ؛ وقيل : هو التسريح البات ، أى الطلقة الثالثة ، والاختيار الموجب لذلك هو أن يقول الرجل لزوجته : اختارينى أو اختارى نفسك ، فإذا اختارت نفسها يقتضى ألا يكون عليها سبيل ، ولا يملك منها شيئا. وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (٢٩) (الأحزاب) دليل على أن لزوجاته صلىاللهعليهوسلم مراتب متفاوتة ، أعلاها مرتبة الإحسان ، وفى الحديث عن أبى موسى الأشعرى وصف الرسول صلىاللهعليهوسلم زوجته خديجة بالكمال ، وقال عن عائشة : «وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ومن ثم فهاتان هما المقصودتان بالمحسنات اللاتى لهن الأجر العظيم.
* * *
٢٥٦. ما معنى (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (٦) (الأحزاب)
بهذه الآية شرّف الله تعالى المؤمنين بأن نسبهم إلى أزواج النبىّ صلىاللهعليهوسلم كأمهات ، وشرّف أزواجه بأن جعلهن أمهات المؤمنين ، ومثلما الشأن بين الأمهات والأبناء من وجوب التعظيم ، والبرّ ، والإجلال ، وحرمة النكاح ، فكذلك الحال بين المؤمنين وأزواجه صلىاللهعليهوسلم اللاتى صرن لهم كالأمهات ، فشفقة المؤمنين على أزواجه ينبغى أن تكون كشفقة الأبناء بأمهاتهم ، ويتوجب عليهم أن ينزلوهن منزلة الأمهات ، وهى أمومة أخرى خلاف الأمومة الرحمية أو الرضاعية ، أو أمومة التبنى ، ولكنها أمومة دين ، كقوله تعالى فى المؤمنين وعلاقاتهم ببعضهم البعض (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (١٠) (الحجرات).
وقيل فى قوله تعالى (أُمَّهاتُهُمْ) ، يعنى للرجال ، فهل هن أمهات الرجال فقط دون النساء؟ أم أنهن أمهات للجميع؟ وقيل : لمّا نادت امرأة عائشة أم المؤمنين وقالت لها : يا أمّه ، قالت عائشة : لست لك بأم ، إنما أنا أمّ رجالكم». والصحيح أن الآية عامة ، وكذلك حكمها ، واختصاص الحصر فى الإباحة للرجال دون النساء لا يفيد الرجال ولا أمهات المؤمنين ، والأكثر معقولية أنهن أمهات الجميع ، فإذا كن أمهات للرجال فلم لا يكنّ أمهات للنساء أيضا؟ وهل يمكن أن تكون عائشة أما لرجل ويناديها يا أمّه ، ولا تكون أمّا لشقيقة هذا الرجل ويحرّم عليها أن تناديها : يا أمّه؟ وأمومتهن إذن للجميع : شيوخا وولدانا ، رجالا ونساء ، وهو التعظيم لحقهن على الجميع ، وتدل عليه الآية : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (٦) (الأحزاب) ، فولاية النبىّ على الجميع ، ومثلها أمومة أزواجه للجميع ، وقرأ ذلك أبىّ بن كعب فقال : وأزواجه أمهاتهم وهو أبّ لهم» وهو تفسير ظنه البعض ضمن المتن ، ونسبوا لأبيّ بن كعب مصحفا به هذه العبارة كآية!! وكذلك قرأ ابن