عباس الآية : النبىّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم» ، فظنوه يتلو قرآنا ، وأن هذه القراءة من مصحف خاص به ، وهى روايات تصلح كتفاسير ولكنها ليست قرآنا. والدليل أن البعض لم يكن يرى أن يسمّى النبىّ صلىاللهعليهوسلم أبا لقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠) (الأحزاب) ، ولكنه «مثل الأب» كما فى الحديث : «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ...» أخرجه أبو داود ؛ وفى الآية نفى أن يكون محمد أبا لرجال المؤمنين بالنسب ، وفى الحديث هو أب لهم فى الدين ، كقول لوط فى الآية : (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي) (٧٨) (هود) لم يقصد بناته على الحقيقة ، وإنما بناته جوازا يعنى المؤمنات ، يدعو الناس الذين اجتمعوا عليه وعلى الملائكة ضيوفه ، أن يتزوجوا من بعضهم البعض ، يعنى من البنات المؤمنات ، بدلا من ممارسة اللواط ، فاعتبر المؤمنات بنات له. وأيضا فإن البعض كان يقول عن معاوية إنه خال المؤمنين ، باعتباره أخا لأم حبيبة زوجة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، يقصدون بذلك أنه خال لهم فى الدين لا فى النسب. وبالمثل فى أمهات المؤمنين ، فهن أمهات فى الدين.
* * *
٢٥٧. ما معنى المشيئة مع زوجاته
نزلت الآية : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) (٥١) (الأحزاب) فى تعامل الرسول صلىاللهعليهوسلم مع زوجاته ، وكان يقسم بينهن بالعدل ، لكل واحدة منهن يوم وليلة ، أو ليلة دون النهار ، ولا يسقط هذا الحق لهن فى مرض أىّ منهن ، ولا فى مرضه ، وكان يعدل فى المقام عندهن فى أى من أحواله ، ولا يجور على حق واحدة بدعوى أنها أمة أو كتابية ، وما كان يجمع بينهن فى منزل واحد إلا برضاهن ، وإذا دخل عند إحداهن فى يوم الأخريات وليلتها ، ذهب يساوى بينهن ويزورهن جميعا. وكان يعدل فى النفقة والكسوة. وفى مرضه الذى توفى فيه كان يطاف به محمولا على بيوت أزواجه إلى أن استأذنهن أن يقيم فى بيت عائشة ، لأنها الأقدر على تمريضه لصغر سنها ، ولأنه لم يعد يستطيع أن يحمل كل يوم إلى بيت من البيوت مع كل هذا الألم الذى يتألمه والأوجاع التى كانت تأتيه ، حتى كان يقول : «أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة. وكان هذا العدل كأنما هو مفروض عليه وليس نابعا من ذاته ، وكأنما لم تكن له المشيئة فيه. والتربية الإسلامية تتوجه إلى الضمير أولا ، وليس الخير ولا الحق ولا العدل بالقيم المفروضة دائما ، ولكنها مع الأخذ بالخلق المسلم تكون من مقوّمات الشخصية