ما تركته يجاهد وحده ، وشاركته فيما يعانى ، وظلت وفية صادقة ، وكلما شهدته يتألم ، فيسألها وبه خشية أن يكون على غير الحق ، فتقول له ـ تستحثه وتشجعه وتصبّره : لم يكن الله ليفعل بك ذلك يا ابن عبد الله!
فهل مثل هذين يمكن أن يخادعا ويصانعا ويمكرا ويحتالا كما تقول الرواية الإسرائيلية؟ والعقول خلقها الله أجهزة أعدّها لنوعيات من الإنتاج يناسبها ، والعقلية والمزاج النفسى ونمط شخصية الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يكن منها المخادعة على ما رووا ، فمثل ذلك أليق بالعقلية اليهودية ، وفى سفر التكوين حكاية مشابهة يرويها عزرا كاتب التوراة فى الفصل العشرين ، عن ابنتى لوط ، فقد أسكرا أباهما وضاجعتاه ، فذلك الشيء إذن من التراث اليهودى وليس من التراث العربى ، وهو دليل أى دليل ، على أن مخترع القصة عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم يهودى ، يستحضر لا شعوره الجمعى ، ويكشفه هذا المكبوت فيه فيما يتقوّل ويختلق من قصص وروايات ، فيكاد المريب يقول خذونى!
* * *
٢٥٣. هل طلق زينب من زوجها ليتزوجها؟
وهل كانت بينه وبينها قصة حب؟!
كلام المستشرقين فى قصة زواج النبىّ صلىاللهعليهوسلم من زينب كثير ، ومؤلفاتهم حول هذا الموضوع بالعشرات ، بدءا من القرن السادس عشر وحتى الآن! ولم يتفقوا فيما بينهم فى شىء بقدر اتفاقهم فى هذا الموضوع بالذات ، فكان زواجه من زينب تكأتهم فى الطعن على نبىّ الإسلام ، والاستدلال بذلك على كذب نبوّته ، فقد ورد فى القرآن فى آية تحريم المحارم من النسب والصهر والرضاع ، أن الأب يحرم عليه أن يتزوج مطلقة ابنه ، بقوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢٣) (النساء) ، ولكن النبىّ صلىاللهعليهوسلم تزوج امرأة زيد بن حارثة ، المعروف بأنه ابنه ، واشتهر باسم زيد بن محمد ، ويقول عطاء فى تفسير الآية : كنا نحدّث أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم لما نكح امرأة زيد ، قال المشركون بمكة فى ذلك ، فأنزل الله عزوجل : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) وكان يقال لزيد أنه «زيد بن محمد» ، والصحيح أن زيدا لم يكن ابنه على الحقيقة ، ولكنه بالتبنى ، فنزلت الآية : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٤) (الأحزاب) ، والآية : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (٣٧) (الأحزاب). والأدعياء جمع دعىّ ، وهو الملتحق بنسب غيره ، فاشترط للتحريم : أن يكون