الابن من الصلب وليس بالتبنى ، وبذلك ينتفى ركن اتهامه صلىاللهعليهوسلم بأنه انتهك التحريم ، ويتأكد هذا الانتفاء بالآية : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٨) (الأحزاب). ومعنى (سُنَّةَ اللهِ) أى حكمه تعالى فيمن سبقه من الأنبياء ، فما كان الله تعالى يأمرهم بشيء وعليهم فى ذلك حرج ، وهو ردّ على من توهم من المنافقين نقصا فى تزويجه امرأة زيد ، مولاه ودعيّه الذى كان قد تبنّاه ، وفى ذلك يقول الله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠) (الأحزاب) ، فنهى أن يقال بعد ذلك عن زيد أنه «زيد بن محمد» ، فهو ليس أباه وإن كان قد تبنّاه ، ولم يحدث أن عاش للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ولد ذكر حتى بلغ الحلم ، فأولاده الذكور من خديجة ماتوا صغارا ، وابنه من مارية القبطية (أى المصرية) مات رضيعا. ولما حرم زيد من شرف أن يقال عليه ابن محمد عوّضه الله أن ذكر اسمه فى القرآن ، وصار يتلى اسمه فى المحاريب ، ونوّه به غاية التنويه ، فكان فى هذا تأنيس له. والإنعام الذى أنعم به الرسول صلىاللهعليهوسلم على زيد بن حارثة كما فى الآية هو أنه أعتقه من الرّق ، فعند ما كان زيد طفلا يفعة قد أوصف ، أغارت خيل لبنى القين بن جسر فى الجاهلية على أبيات بنى معن من طىء ، وكان زيد وأمه عندهم فى زيارة لقومها ، فاحتملوه ، ووافوا به سوق عكاظ ، فباعوه لحساب خديجة بنت خويلد ، فلما تزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهبته زيدا ، فنشأ فى كنف النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان بينهما عشر سنوات ، وأحبه الرسول صلىاللهعليهوسلم لما فيه من خصال طيبة ، حتى كان يكنيه «الحبّ» ، ويكنّى ابنه أسامة : «الحبّ ابن الحبّ» ، وقالت فيه عائشة : ما بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى سرية إلا أمره عليهم ، ولو عاش بعده لاستخلفه.
وخطب الرسول صلىاللهعليهوسلم لزيد زينب بنت جحش ، ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب ، وكانت قد هاجرت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ، وهنا يبدأ الاختلاف فى الروايات حول بعض الآيات ، وكلها روايات من الإسرائيليات التى دلّسها اليهود على رواة المسلمين الأوائل ، أو أن هؤلاء الرواة أخذوا هذه التفسيرات مباشرة من اليهود ، من أمثال كعب الأحبار ، وابن سلام ، وابن منبّه ، والذين نقلوا هذه الروايات عن السلف نقلوها من غير منهج ، وبلا تمحيص ولا مناقشة ، ويبدو أن طريقتهم كانت تعتمد أساسا على سرد كل الروايات ، وللقارئ أن يأخذ بها أو يرفضها ، غير أن بعضهم كانت تفسيراته منكرة ، وعرف عنه الكذب!!
وفى رواية ابن عباس عن الآية : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦) (الأحزاب) : أن