وصفت عائشة اللاتى وهبن أنفسهن فقالت : ألا تستحى المرأة أن تهب نفسها؟ وفى رواية قالت : أتهب المرأة نفسها؟ وعن ابن أبى حاتم قال : إن التى وهبت نفسها «خولة بنت حكيم». وعن عروة قال : كنا نتحدث أن خولة بنت حكيم كانت قد وهبت نفسها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم». والحق أن اللاتى وهبن أنفسهن كثيرات ، وقد نفى ابن العباس أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد قبل واحدة منهن ، وقال : لم يكن عنده امرأة واحدة وهبت نفسها له». وميمونة كانت من العابدات ، ومع ذلك حاول المرجفون مرة أخرى أن ينسبوا لها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ بها وهو محرم ، والثابت ـ قبّحهم الله ـ أنه خطبها حلالا ، وبنى بها بسرف حلالا. ثم حاولوا أن يطعنوا فى خلقها ، فقالوا إن النبىّ تأخر فى ليلة من الليالى فجاء إلى بيتها فى ليلتها ، فوجدها قد أغلقت الباب دونه! ورفضت أن تفتح له! فقال لها : «أقسمت إلا فتحته لى!» فقالت : تذهب إلى أزواجك فى ليلتى هذه؟! قال : ما فعلت ، ولكن وجدت حفنا من بولى!» ـ (أى حبسا فى البول) ، مع أن ميمونة هذه بعد وفاة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان عمرها تسعا وعشرين سنة ، ولم تعاشر الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا ثلاث سنوات فقط ، أبت إلا أن تتبتل ، وحلقت رأسها! وحدّثت عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولها فى كتب الحديث نحو الخمسين حديثا ، وماتت وعمرها سبعون سنة ، فلما دفنوها كان رأسها مجمما! أى أملسا. وكانت أوصت ابن العباس أن يدفنها بسرف ، فى المكان الذى تزوجت فيه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إجلالا للمكان ، ولذكرى زواجها من المصطفى صلىاللهعليهوسلم ، فحملها ابن عباس من مكة إلى سرف ودفنها كوصيتها!
وبعد ... فلقد كانت هذه أخبار زوجات النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، الإحدى عشرة ، التى قيل إنهن كن زوجاته ، اثنتان توفيتا فى حياته ، ومات هو عن تسع كما قيل ، ولقد رأينا أنه من كل هؤلاء لم تكن له زوجة إلا خديجة التى توفيت ولم يتزوج عليها طيلة حياته ، ثم كانت عائشة ، وهذه هى الزوجة فعلا ، فقد تعلّمت عليه ، وأخذت عنه الفقه ، واشتغلت بالدعوة ، وجاهدت ، وغزت معه ، ونصبها حوارية له ، فكانت الداعية إلى الإسلام ، والمؤرّخة ، والمحدّثة والمفسّرة للقرآن ، والرسول صلىاللهعليهوسلم بعائشة أوحد الزوجة ، فإن توسّعنا فى معنى الزوجية ، فمن الممكن إدراج حفصة ، وأم سلمة ، وزينب بنت جحش مع عائشة ، فهؤلاء أربع طبقا للشرع ، وهؤلاء اللاتى آواهن ، وأما غيرهن فقد أرجاهن ، ولم يقسم لهن كغيرهن. وأما ريحانة اليهودية ومارية القبطية فكانتا ملك يمين. وأما من حطبهن ، مثل الكلابية ، والكندية ، وأم شريك ، وبنت الهذيل ، والجندعية ، والغفارية ، وبنت عامر ، وبنت بشامة ، وبنت الخطيم ، فهؤلاء لم يدخل عليهن. وأما خولة بنت حكيم فهذه وهبت له نفسها