إلا حماه أبو سفيان ، واختاره المشركون لهذه المهمة ، لعله يفلح أن يوسّط ابنته لدى زوجها ، ودخل أبو سفيان بيتها وتوجه ناحية سرير رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد أن يجلس عليه ، فطوته دونه ، فسألها : أرغبت يا بنية بهذا الفراش عنى ، أم رغبت بى عن الفراش؟ فما كان منها إلا أن أجابته : بل هو فراش رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنت امرؤ مشرك نجس فلم أشأ أن تجلس عليه! فأجابها الأب بغيظ : لقد أصابك يا بنية بعدى شرّ! ثم انصرف مغضبا. ولم يكن زواج ابنته من محمد صلىاللهعليهوسلم شرا ، ولا كان الإسلام الذى اعتنقته ، ولكنهما كانا خيرا عاد على أبى سفيان والقرشيين جميعا ، وأهل مكة كلهم ، وما كانوا يعلمون. فلما دخل النبىّ صلىاللهعليهوسلم مكة والتقى أبا سفيان وأهله مسالمين ، أكرمه النبىّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن» (الحديث) ، ووقف أبو سفيان يستعرض كتائب المسلمين ويقول للعباس : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة! والله يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما! وردّ عليه العباس : إنها النبوة يا أبا سفيان! ـ ولقد كانت النبوة هى دافعه صلىاللهعليهوسلم إلى كل ما صنع ، وما تزوج من تزوج عن رغبة ، أو شهوة ، وإنما ترسيخ منه للإسلام ، واستمالة للقلوب ، وتأليف للقبائل ، واستتباب للأمن ، وإعزاز للمسلمين ، وذلك هو ردّنا على المستشرقين والعلمانيين وأهل الكتاب من أصحاب الجدل. وأما ما كان من أم حبيبة فما كان هناك شىء يرشحها زوجة لنبىّ ، فلم تحدّث عن النّبىّ صلىاللهعليهوسلم إلا ثلاثة وعشرين حديثا ، وكانت تتعالى على زوجاته وخاصة عائشة ، يدفعها لذلك أنها ابنة أبى سفيان ، وكانت وراء عفو النبىّ صلىاللهعليهوسلم عن أبيها ، وقرّبت أخاها معاوية كاتبا للرسول صلىاللهعليهوسلم.
والحادية عشرة من زوجاته كانت ميمونة بنت الحارث ، وهذه أرغى أعداء الإسلام فيها وأزبدوا ، فقالوا إنها التى وهبت نفسها للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والتى نزل فيها قول الله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) (٥٠) (الأحزاب) ، وهو تفسير المرجفين ، فلما قيل لعمرة بنت عبد الرحمن. إن ميمونة وهبت نفسها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أجابت : تزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، على مهر خمسمائة درهم ، وولى نكاحه إياها العباس بن عبد المطلب».
والعباس هو زوج شقيقتها الكبرى أم الفضل ، أولى النساء إيمانا بعد خديجة ، وأخواتها من الأم : زينب بنت خزيمة زوجة رسول الله التى ماتت عنده ، وهى المشهورة بأم المساكين ، وأسماء بنت عميس التى تزوجت جعفر بن أبى طالب ، فلما مات عنها تزوجها أبو بكر ، فلما مات عنها تزوجها علىّ بن أبى طالب ، وسلمى بنت عميس زوج حمزة بن أبى طالب ، وكانت لها أختان أخريان ، والأخوات الخمس كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يطلق عليهن اسم «الأخوات المؤمنات». فما كان من المعقول أن تكون ميمونة إذن من اللاتى وهبن أنفسهن : وقد