الشعير ، فمن أين تتهيأ له القوة على مباشرة النساء؟ أو يتوفر له الوقت على مسامرتهن؟! وإنما هى العشرة ، وأن تحتمى به من لا تجد زوجا ، وأن تأوى إليه من تترمل من المسلمات.
وتحكى عائشة أنها ما نظرت عورة النبىّ صلىاللهعليهوسلم أبدا ، وما نظر عورتها ، فالحياء صفته ، والتعفف مسلكه. وليس معنى أنه تزوج تسع زوجات أو أكثر أنه زير نساء ، أو مزواج ، وإنما هى طيبة القلب ، وصدق النية ، والمودة ، وطلب القربى ، والتراحم ، والتماس المعروف. ثم إنهن لم يكنّ تسعا على الحقيقة برغم مزاعم مؤلفى السيرة ، فالواقع أنهن كن أربعا لا غير كما سنرى من بعد. وزواجه من عائشة كأنما كان يعدّها لتكون داعية الإسلام فى حياته ومن بعده ، فكانت فى حياته تعظ النساء ، وتؤذّن للصلاة ، وتؤمّهن ، وتفسّر القرآن. وبعد وفاته صلىاللهعليهوسلم كان بيتها مثابة للناس وأمنا ، ومدرسة للدعوة ، وتلقّى عليها ما يزيد على الثلاثمائة والخمسين من الرجال والنساء ، وكانت مرجعا فى الدين يسألها مشايخ الصحابة ، ومصدرا وحيدا للكثير من التفاصيل عن حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وروت عنه نحو الستة آلاف من الأحاديث ، فكانت أكثر من روى عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، سواء من الرجال أو من النساء ، وهذه هى الزوجة الحقيقة بلقب زوجة نبىّ ، فكانت وارثة علمه ، وأسهمت فى بناء الإسلام بما لم يقدر عليه أعنى الرجال ، وكانت كما قال فيها «حواريته» من النساء ، يعنى تلميذته وصاحبته ونائبته ، حتى ليمكن أن نقول إن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يتزوج فى الحقيقة ـ وليس فى الواقع ـ إلا عائشة ، فكانت نعم الزوجة.
وأما زواجه صلىاللهعليهوسلم من حفصة بنت عمر ، فما كان إلا رأفة بها ، وإرضاء لأبيها ، وكانت فى الثامنة عشرة من عمرها عند ما مات زوجها خنيس بن حذافة ، فعرضها أبوها ـ بعد انقضاء عدتّها ـ على أبى بكر وعثمان ، وبدا كما لو كانا قد رفضاها بأدب ، فتزوّجها الرسول صلىاللهعليهوسلم ، تطييبا لخاطر أبيها. غير أنه كان بحفصة حدّه فى الطبع ، وأفشت سرا ائتمنها عليه ، وفيها نزلت الآية : (إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (٣) (التحريم) ، وكانت تراجعه وتهجره اليوم بطوله إلى الليل ، حتى قيل أنه طلّقها مع من قيل أنه طلقهن من نسائه قبل نزول آيات التحريم ، وقيل فى ذلك روايات ، منها أن عمر لما سمع بطلاقها أول مرة ، كان يحثو التراب على رأسه حزنا وكمدا وغضبا! وما كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم قد طلّقها ، ولمّا سأله عمر نفى أن يكون قد طلقها أو طلق أيا من نسائه ، ولو كان من الممكن أن يطلقهن ، لكان زواجه منهم لأسباب مما يطلق لها الناس زوجاتهن ، وإنما كان زواجه بهن جميعا «من أجل الدعوة وتثبيت أركانها» ، فما تزوجهن ليطلقهن ، وكان إذا