(هود) ، وزادوا فقالوا : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) (٢٤) (المؤمنون) ، وزادوا أكثر فقالوا : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) (٣٣) (المؤمنون) ، وأقرت الرسل ببشريتهم ولم يدّعوا خلاف ذلك : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (١١) (إبراهيم) ، وأكد النبىّ صلىاللهعليهوسلم ذلك عن نفسه فقال : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١١٠) (الكهف) ، وقال أهل مكة عنه : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٣) (الأنبياء) ، يعنى أنه لا يتميز عنهم بشيء ، فما ينبغى أن يكون لهم نبيا ، وما علموا أن الله تعالى ما كان ليرسل إلى البشر إلا بشرا مثلهم ، ليفهموا عنهم ويعلّموهم ، ولو كان الناس ملائكة لأرسل إليهم ملكا ، ولكنهم بشر من بشر ، فكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم ـ وكل نبىّ ـ منهم وإليهم.
* * *
٢٠٧. النبىّ صلىاللهعليهوسلم أليس بشرا؟ فلما ذا هذه الصفات
ينسبها إليه البعض فتخرجه عن البشرية؟!
ذلك دأب العامة فى الديانات المختلفة ، وفى المذاهب المتباينة ، أن ينسبوا لأنبيائهم وكبرائهم وعظمائهم ، أفعالا وأقوالا وصفات تخرجهم عن البشرية ، ويطلق علماء النفس والطب النفسى على ذلك اسم «عبادة البطل» ، واليهود ألّهوا نبيّهم عزيز : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (٣٠) (التوبة) ، وكذلك فعل النصارى : (قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٣٠) (التوبة) ، و (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) (٣١) (التوبة) ، وإنما محمد صلىاللهعليهوسلم أكد على بشريته وقال : «أنما أنا بشر أضيق بما يضيق به البشر» رواه أحمد بطريق عائشة ، وفى رواية أخرى قال : «إنى بشر أغضب كما يغضب البشر». والله تعالى لم يرسل إلى الناس رسلا إلا من البشر ، يقول : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (١١) (إبراهيم) ، وأمر الله تعالى نبيّه أن يقول : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) (٦) (فصّلت) ، وقال له : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٨٨) (الأعراف) ، وقال عنه : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١٤٤) (آل عمران) ، فإذا كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يخبر أحيانا ببعض الغيوب ، فإنما يخبر بها بإعلام الله تعالى إياه ، لأنه تعالى يستقل بعلم ذلك ، كما وصف نفسه : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (٢٧) (الجن). والمسلم الذكى هو الذى يتحرّج أن يقع فى الخطأ الذى وقع فيه اليهود والنصارى ،