النفس فى أمور الذاكرة. وقد ورد فى حديث ابن مسعود فى السهو : «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون» ، وعن عروة ، عن عائشة فيما رواه البخارى قالت : سمع النبىّ صلىاللهعليهوسلم رجلا يقرأ فى المسجد فقال : «يرحمهالله ، لقد أذكرنى كذا وكذا آية من سورة كذا» ، وعن هشام زاد : «أسقطهن من سورة كذا» ، وفى رواية أخرى لعروة عن عائشة قال : «كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا» ، وفى هذه الروايات حجة لمن يجيز النسيان على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فيما ليس طريقه البلاغ ، وكذلك فيما طريقه البلاغ. وطالما أنه نسيان فلا بد أن يكون قد بلّغه أولا ثم نسى ، ولكنه يتذكره من بعد ، إما بنفسه ، وإما بغيره ، فكأنه ليس نسيانا على الحقيقة ، وإنما كأنه النسيان أو أن له صورة النسيان وليس النسيان ، أو أنه ينسى ليعلّم ... وفى القرآن : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) (٧) (الأعلى) ، معناه لا تنسى ما نقرئك إياه ، ومعنى «إلا ما شاء الله» ، ما قضى أن ترفع تلاوته ، فهذا هو النسيان المقصود ، وقد يقال إن معنى «فلا تنسى» أى لا تترك العمل به ، إلا ما أراد الله أن ينسخه ، ويدخل فى قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (١٠٦) (البقرة) ، قرأها ابن مسعود «ننسأها» أى نؤخرها ونرجئها ، وكذلك قرأها عمر بن الخطاب. وعن ابن عباس قال : كان مما ينزل على النبىّ صلىاللهعليهوسلم الوحى بالليل وينساه بالنهار ؛ وعن قتادة قال : كان الله عزوجل ينسى نبيّه صلىاللهعليهوسلم ما يشاء ، وينسخ ما يشاء». وما يشاء من نسخ أو نسيان إنما هو لمصلحة الناس ولخيرهم ، أو رفقا بهم. والصحيح أن آيات مثل : «سنقرئك فلا تنسى» نزلت للمسلمين جميعا وليس للنبىّ وحده صلىاللهعليهوسلم. والنسيان فى الآية ليس هو النسيان المعهود ، ولكنه زيادة تنبيه ، بمعنى تنبّه وكن فى قمة وعيك أثناء القراءة ليثبت فى ذاكرتك.
* * *
١٦٢. فما شأن من لا يقرأ القرآن؟
المرء مع من يحب ، والمسلم الذكى مع الله دائما ، والقرآن كلام الله ، وعند أهل الحكمة فإن من يحب حكيمه يلازمه ويحفظ كلامه ، والله يقول : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٢٠) (المزمل) ، واقرءوا فعل أمر كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وكان أول ما بدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من القرآن : (اقْرَأْ) ، وكتاب الله أعطاه الله اسم القرآن ، من القراءة ، وقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٩) (الإسراء) فيه تحبيذ للقراءة فى الفجر ، فهى أجلى للصوت ، وأفضل فى النفس ، وشحنة وعظيّة