استذكاره ، فإن هجره ثقلت عليه القراءة. والإبل المعقّلة المشدودة بالعقال أى الحبل ، شبّه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير يخشى منه الشراد ، وطالما أن التعاهد للقرآن موجود فالحفظ موجود ، كما أن البعير طالما بقى مشدودا بالعقال فهو محفوظ ، وخصّ الإبل بالذّكر لأنها أكثر الحيوانات الأليفة نفورا ، وفى تحصيلها بعد شرودها صعوبة. وقوله أشد تفصّيا أى تفلّتا وتخلّصا ، والإبل تطلب التفلّت ما أمكنها ، فإن لم يتعاهدها بربطها تفلتت ، فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهده تفلت. والمسلم الجيد إذن هو الذى يداوم على الاستذكار ما استطاع.
* * *
١٦٠. فهل للقراءة مكان مشروط أو وقت معلوم؟
القراءة جائزة فى كل مكان ، بوضوء ومن غير وضوء ، وفى الحمام ، وفى الطريق ، وعند البخارى ، عن ابن مغفّل قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح». وعن ابن عباس : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم اضطجع فنام حتى إذا انتصف الليل استيقظ ، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ، ثم قام إلى شنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ، ثم قام يصلى».
والشنّ هى القربة للسقاء. والقراءة مطلوبة ، فى الحمام أو غيره ، والاستكثار منها مطلوب ، وكل منا يكثر أن يأتيه الحدث ، أفكلما كان الحدث توقفت القراءة ويفوت بذلك الخير الكثير. والمسلم الجيد لا يرى بأسا ولا كراهة بالقراءة فى أى مكان.
* * *
١٦١. وما ذا بشأن نسيان القرآن؟ وهل يمكن أن ينساه النبىّ صلىاللهعليهوسلم؟
إن نسيان القرآن يدل على عدم الاعتناء به والتهاون فى استذكاره وتعهّده. والذى يحفظ القرآن تعلو رتبته ، فإذا ما وعاه وعمل به بلغ تمام الحسن. وترك معاهدة القرآن يفضى إلى الرجوع إلى الجهل ، والرجوع إلى الجهل بعد العلم أمر شديد. وعن عبد الله بن مسعود فيما أخرجه البخارى : أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قال : «بئس ما لأحدهم ، يقول نسيت آية كيت وكيت ، بل هو نسى» ، يقصد بذلك أن يزجر الناسى ، والنسيان منه عضوى كما فى الشيخوخة مثلا ، أو للإصابة بتصلب فى شرايين المخ إلخ ، ومنه نفسى ، بسبب ضغوط الحياة ، أو كراهة ما لا نحب أن نذكره ، وقد ينسى المرء لاشتغاله بالصيام أو الاعتكاف أو الجهاد. والنسيان المكروه تتسبب فيه ضغوط الأمور الدنيوية ، والمسلم الجيد هو الذى لا يمر عليه أربعون يوما إلا وقد راجع القرآن مرة ، وهذه الأربعون يوما هى التى ينصح بها علماء