والطفل إن تعلم ما لا يفهم يملّه ويزهد فيه ، وأنسب الأعمار للبداية بالتعلّم فى السن بعد السابعة ، والبكور فى التعلّم أدعى إلى ثبوت ما نتعلم ورسوخه ، كما يقال : التعلّم فى الصغر كالنقش فى الحجر. ومنهج تربية الطفل يستحب له أن يترك أولا فى ألعابه يتعلّم منها ، ولأصحابه يتكيّف معهم ، ثم يؤخذ بالجدّ على التدريج ، ومع ذلك فالأمر فى بداية الجدّ وكيفيته وكميته متروك بحسب كل طفل. ويروى عن ابن عباس أنه حفظ القرآن وقد ناهز الاحتلام وكان ختينا ، ولم يكن الأوائل يختنون الطفل حتى يدرك ، والاحتلام لا يكون إلا لمن قارب الثالثة عشرة من عمره.
* * *
١٥٨. فضل القراءة بالنظر والقراءة بالحفظ
فى رواية أن الرسول صلىاللهعليهوسلم زوّج صحابيا بما يحفظ من القرآن ، وجعل مهر المرأة أن يعلمها الصحابى ما يحفظ منه. ولمّا سأله عمّا يحفظ من السور ، قال له : «أتقرؤهن عن ظهر قلبك»؟ قال نعم ، قال : «اذهب ، فقد ملكتكها بما معك من القرآن». وقد يكون معنى ذلك أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل من تلاوته نظرا من المصحف ، أو لاستثبات أنه يحفظ هذه السور عن ظهر قلب ليتمكن من تعليمها لزوجته ، وفى الحديث عن عبيد الله بن عبد الرحمن قال : «فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا ، كفضل الفريضة على النافلة» ، ومن طريق ابن مسعود قال : «أديموا النظر من المصحف» ، لأن القراءة فى المصحف أسلم من الغلط ، ومع ذلك فالقراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء ، وأمكن للخشوع ، وعلى الجملة فإن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ، والمهم قراءة القرآن على أى حال ، وكما فى الحديث عند أبى داود عن أبى أمامة : «فإن الله لا يعذّب قلبا وعى القرآن». والسبيل إلى الوعى بالاستذكار والتعاهد.
* * *
١٥٩. فهل من الضرورى تكرار القراءة والحفظ؟
استذكار القرآن يعنى المداومة على القراءة نظرا من المصحف ، أو عن ظهر قلب ، وفى الحديث عن ابن عمر : «إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقّلة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت» ، وعن عبد الله بن مسعود ، قال : «واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النّعم» ، وفى رواية أخرى : «تعاهدوا القرآن فو الذى نفسى بيده لهو أشد تفصيا من الإبل من عقلها» ، وتعاهد القرآن يعنى تجديد العهد به بملازمة تلاوته ، وصاحب القرآن هو الذى يألفه بالمداومة على قراءته ، فيذل له لسانه ، ويسهل عليه