فارس ـ يجمع المراجع والكتب ، ويتعرّف أخبار الملوك ، وكان فيما يزعم يقول
إن القرآن أساطير أولين ، فلما عاد إلى مكة كان كلما سمع أن محمدا يقرأ من القرآن
على الناس ، جلس إليهم بعده يحدّثهم بما يعرف من هذه الأساطير ، ويختم كلامه
متسائلا : بالله أينا أحسن قصصا ـ أنا أو محمد؟ ووقع النضر هذا فى الأسر يوم بدر ،
وقتل صبرا ، وكان الذى أسره المقداد بن الأسود. ومعنى قوله إن القرآن أساطير
الأولين ، أن محمدا يقتبسها ويتعلّم منها ويتلوها على الناس كما قال تعالى : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ
الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً
رَحِيماً) (٦) (الفرقان).
* * *
١٤٦. إعجاز القرآن لا
يدل على أنه من كلام الله
يصر المستشرقون
على أن القرآن ليس من عند الله ، وأن محمدا هو مؤلفه ، غير أننا تعرف أن كل أديب
له أسلوبه الخاص الذى ينفرد به ، والنابع من شخصيته ومزاجه وثقافته وظروف حياته
وبيئته التى نشأ فيها ، ولا يمكن أن يتشابه أديبان ولا أن يقلد أحدهما الآخر ، أو
أن يأتى أحدهما بمثل ما كتب وصنّف الآخر ، ويفسّرون إعجاز القرآن تفسيرا عجيبا ،
فيزعمون أن إعجاز القرآن المزعوم هو أن كل متأدّب يعجز عن الإتيان بأسلوب كأسلوب
غيره ، وأسلوبه لذلك معجز ، والقرآن من هذا السبيل معجز ، فالقول بأن القرآن لا
يمكن لبشر أن يأتى بمثله لا يدل على أنه كلام الله ، وأنه مقدّس!!
ويخطئ
المستشرقون من اليهود والنصارى والملاحدة ، والمستشرقون الجدد من العلمانين
والتنويريين المسلمين والمصريين ، إذا فهموا أن تحدّى القرآن لهم بأن يجيئوا بسورة
منه ، أنه يلزمهم أن يكون ما يجيئون به صورة للقرآن ، وبنفس منهاجه وأسلوبه ،
فالتحدّى لم يقصد إلى هذا ، بل أراد أن يصنّفوا شيئا من عندهم ، وبأسلوبهم ، مهما
كان شكله أو نمطه ، أو المزاج الذى صيغ به ، أو المنهاج الذى اتبعوه فيه ، بشرط أن
تكون له قيمة كقيمة القرآن ، وأن يستحدث ما استحدث القرآن فى الناس والمجتمعات من
تغييرات ثورية ، وما صنعه فى التاريخ من انقلابات ، وأن تكون له قيمة بيانية
وجمالية كالتى للقرآن ، فيجتمع عليه الكبير والصغير ، والنساء والرجال ، والناس
جميعا من مختلف الأمصار والأزمان ، فهذا معنى التحدى ، ومجاله أن يتنافس أهل
الصفوة ، فيتماكنون أو يتفاضلون فيما بينهم ، ولكل منهاجه وشرعته ومراده وأسلوبه
وصنعته ، فإن كانوا للنبىّ صلىاللهعليهوسلم أكفاء ، فسيأتون بمثل ما يدّعون أنه جاء به ، فإذا
كانوا أفضل منه ، كان ما سيأتون به هو الأحسن ، وحتى لو كانوا