(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١٣) : المثل يضرب باعتبار خشية الله هى معيار الحكم على الناحية الأخلاقية فى الناس دون الحسب والنسب ، وفى الحديث : «الحسب المال ، والكرم التقوى» أخرجه الترمذى ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : «من أحب أن يكون أكرم الناس فليتّق الله». والتقوى : مراعاة حدود الله أمرا ونهيا ؛ والتّقىّ : هو المنصف بما أمره الله أن يتصف به ، والمتنزّه عمّا نهاه عنه. وفى الحديث : «إن الله تعالى يقول يوم القيامة : إنى جعلت نسبا وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم أتقاكم ، وأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان ، وأنا اليوم أرفع نسبى وأضع أنسابكم. أين المتّقون؟ أين المتّقون؟». وفى الحديث أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أوليائى المتّقون يوم القيامة ، وإن كان نسب أقرب من نسب. يأتى الناس بالأعمال ، وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم ، تقولون يا محمد ، فأقول هكذا وهكذا» ـ وأعرض النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى كل عطفيه ، يعنى لا يبالى بهم ، لأنهم أتوا بالدنيا ولم يكونوا من أهل التقوى ثم قال : «إن آل أبى ليسوا لى بأولياء ، إنما وليّي الله وصالح المؤمنين» أخرجه مسلم. وقال : «إنى لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» ؛ ولذلك كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم أكرم البشر عند الله تعالى ، لأنه كان سيد المتّقين.
* * *
٩٩٠. أمثال وحكم سورة ق
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (١٦) : هذا تمثيل للقرب ، يقال : هو أقرب إليه من حبل الوريد ، أو كان الموت أقرب إليه من حبل الوريد ؛ والحبل المقصود : هو حبل العاتق الممتد من ناحية الحلق إلى العاتق ، وهما وريدان عن يمين وعن شمال. وأيضا الوريد الوتين ، وهو العرق المعلّق بالقلب ، وفى الآية : أن الله تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده ، ليس قرب مسافة ، والمعنى أنه تعالى أعلم بما توسوس به نفس الإنسان من حبل وريده الذى هو من نفسه.
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (١٩) : هذا تمثيل لشدة الموت وغشيته بالسكرة ، وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يقول فى موته : «لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات». وفى موت أبى بكر تمثلت عائشة بقول الشاعر : إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر ..! فقال أبو بكر : هلّا قلت كما قال الله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢) : الآية تمثيل للغافل يفيق على الحقيقة عند الموت ، فيكشف عن عينيه الغطاء ، فبصره عندئذ نافذ ، يرى