والطين ، والعامة تسمى هذا الأثر «زبيبة الصلاة» ، وقيل هى أثر فى الجبين نتيجة الطمأنينة فى الصلاة على الحصير ، وقيل : هى بياض الوجه بالإيمان ، والمؤمن سمت وجهه حسن ، وقد يكون بمقاييس الجمال قبيحا ، وإنما له نور يشع من وجهه. وقيل : السيما صفرة وجوه المؤمنين من طول قيام الليل ، حتى لتراهم فتحسبهم مرضى وما هم بمرضى ، يصلون الليل فإذا أصبحوا رؤى ذلك فى وجوههم ، ومن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ، ومثلهم فى القرآن والتوراة والإنجيل ، كزرع أنبت فتخرج منه السنابل بالعشرات. والمثل يعنى أن المؤمنين يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون ، ولما دعا النبىّ صلىاللهعليهوسلم للإسلام لم يؤمن به إلا قلة ، وازدادوا وتضاعفوا حتى صاروا فى كل أنحاء الدنيا ، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفا ثم يقوى حالا بعد حال ، حتى يغلظ نباته ويفرخ ، يعنى ينبت الحبّ والثمار ، وفى كثرة المسلمين الآن ما يغيظ المشركين واليهود ، ويشد أزر الضعفاء منهم وحيثما كانوا قلة ، فمثلهم كمثل الزراع يعجبهم زرعهم لما اشتد ، وكذلك المسلمون ، بارك الله فيهم وقاتل الله من يدعو إلى تقليل نسلهم ، وينشر بينهم المرض والفقر ، ويستعمر بلادهم ، فاحذر يا أخى دعوات أمريكا وغيرها تحت ستار تنظيم النسل وغير ذلك ، والله المستعان.
* * *
٩٨٩. أمثال وحكم سورة الحجرات
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (١٠) : مثّل المؤمنين فى أخوّتهم بالإسلام بالإخوة بالنسب ، مع ملاحظة أن أخوّة النسب يمكن أن تنقطع بمخالفة الدين ، وأما أخوّة الدين فلا تنقطع بمخالفة النسب ، وعلى ذلك إذا تخاصم المسلمان فالواجب أن نصلح بينهما. والأخوان هما كل مسلمين ، أو طائفتين ، وقيل أريد بهما وقت نزول الآية الأوس والخزرج. وفى الآية دليل على أن البغى لا يزيل الإيمان ، فرغم بغى إحدى الطائفتين سمّاهم مؤمنين. وحالهم أنهما أخوان بغى أحدهما على الآخر وليسا منافقين ولا مشركين.
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً؟) (١٢) : مثّل الله الغيبة بأكل الميتة ، لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه ، كما أن الحىّ لا يعلم بغيبة من اغتابه. وإنما ضرب الله هذا المثل للغيبة ، لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر ، وكذا الغيبة حرام فى الدين ، وقبيحة فى النفوس. فكما يمتنع أن يأكل أحدكم لحم أخيه ميتا ، فكذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيّا ، واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة. وفى الحديث : «ما صام من ظل يأكل لحوم الناس» ، فشبّه الوقيعة بين الناس بأكل لحومهم.