(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ ...) (٢٩) تمثيل وتخييل مبالغة فى وجوب الجزع والبكاء ، وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم : بكت له السماء والأرض ، أى عمّت مصيبته الأشياء حتى بكته السماء والأرض. وقد يكون فى المثل إضمار ، وأن يكون المقصود ما بكى عليهم أهل السماء والأرض. وفى الحديث : «ما من مؤمن إلا وله فى السماء بابان : باب ينزل منه رزقه ، وباب يدخل منه كلامه وعمله ، فإذا مات فقداه فبكيا عليه».
(إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٣١) : مثل يقال فى الذم ، والعلوّ ليس علوّ مدح بل علوّ فى الإسراف ، كقوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (القصص ٤) ، وعلوّه هو الترفّع عن عبادة الله ، أو الترفّع عموما.
(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩) (هو قول يقال تشفيا فيمن يستكبر ويستعلى ، ومثله أن يقال للخصم العنيد الجهول : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) (القيامة). والمثل يقال على معنى الاستخفاف والتوبيخ والاستهزاء والإهانة والتنقيص ، يقال له : ذق ، إنك أنت العزيز الأكرم بزعمك! أى إنك أنت الذليل المهان ، كما قال قوم شعيب لشعيب : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود ٨٧) يعنون السفيه الجاهل.
* * *
٩٨٧. أمثال وحكم سورة محمد
(يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) (١٢) : مثّل الكافرين والظلمة والطغاة عموما بالأنعام ، ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم ، ساهون عمّا فى غدهم. وعكس ذلك المؤمنون وأهل العدل والصلاح ، فهم فى الدنيا يتزودون ، بينما المنافقون فيها يتزيّنون ، والطغاة فيها يتمتعون.
* * *
٩٨٨. أمثال وحكم سورة الفتح
(سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (٢٩) : هذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى زمنه ، ثم للمؤمنين من بعدهم. والسيما فى الوجه علامة السجود ، تكون سوداء خشنة ، وشبّهوها بركبة العنز ، ولا نجد ما يشبهها حاليا إلا أن نقول إنها علامة السجود والخشوع فى الصلاة ، وتتعلق بالجباة ، وعن جابر : أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم صلّى صبيحة إحدى وعشرين من رمضان ، وقد قطر سقف المسجد ، وكان على عريش ، فانصرف النبىّ صلىاللهعليهوسلم من صلاته وعلى جبهته وأرنبته (طرف أنفه) أثر الماء