أو لباس الحرب الذى يتّقى به العدو ، والأصح أنه الخشية من الله ، شبّهها باللباس يستر صاحبه ، ويتّقى به غضبه تعالى ؛ وقيل لباس التقوى هو استشعار تقواه تعالى فيما أمر به ونهى عنه.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) (٣٤) : القرآن مع القول بأن التاريخ دورات حياة ، وأن الأمم فى صعود وهبوط ، ولكل أمة أجل ، وأجل كل أمة مرة مع الصعود ، ومرة مع الهبوط ، والقاعدة فى القرآن : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران ١٤٠) ، وكثير من علماء وجهابذة التاريخ قالوا بدورات الحياة للأمم ، وبأن الأمم آجال ، وأبرزهم توينبى (١٨٨٩ ـ ١٩٧٥ م) ، وتوينبى بالقطع قرأ هذه العبارة فى القرآن واستوقفته ، وخلص إليها كحقيقة ثابتة ، وكان منهجه فى استخلاصها هو المنهج الاستقرائى ، وهو أحد مناهج التفكير التى يدعونا إليها القرآن كما قال : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) (النمل ٦٩) ، وكما قال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) (يوسف ١٠٩) ، وساق توينبى واحدا وعشرين مثلا على ما ذهب إليه ، وعنده أن التاريخ يسير فى دورات كبرى من الارتفاعات والانخفاضات ، وأنه محصّلة الحضارات المختلفة التى تمر بنفس المراحل ، من الميلاد إلى النمو ، فالتفكك والأفول والسقوط. ومن رأيه أن الأمم عند ما تنسى الله فإنها تسقط من التاريخ ، فإذا ذكرته ارتقت وقويت وسمت ، وعنده أن الدين قوة روحية لنجاة الأمم من الانحلال. ونظرية القرآن أن للأمم آجالا ، وأنها تتفاوت ، وقد يطول أجلها إذا تمسكت بالإيمان ، وفى القرآن أن نوحا ظل فى قومه ٩٥٠ سنة ، وربما المعنى أن الديانة التى دعا إليها ظلت هذا العمر ، وبمثل هذا الحساب الزمنى قد تتفاوت الأمم فى الآجال ، وحاول اليهود تحديد أجل أمة محمد بالحساب الأبجدى للحروف المقطّعة فى بداية السور ، فقالوا : إن (الم) بداية سورة البقرة ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، وهكذا تحسب كل الحروف المقطّعة فيكون مجموعها مدة ملك محمد وأجل أمته ، وذلك أشبه بقراءة الطوالع ، فاعتمادا على معرفة المدد يمكن استخراج أوقات الحوادث والفتن والملاحم ، فكأنهم حوّلوا الحقيقة الزمنية للحضارات والأمم إلى شىء يتكسّبون منه ، فمن قال منهم ذلك فقد ادّعى ما ليس له ، وطار فى غير مطاره. ويبقى الصحيح من ذلك كله : وهو أن الأمم آجال كما جاء فى القرآن : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣٤) (الأعراف) ، فالأمم تمرض وتشيخ وتموت كالأفراد ، وفى القرآن من الأمم البائدة : أقوام نوح ، ولوط ، وصالح ، وشعيب ، وثمود وعاد ، ومن الأمم التى لم تبد اليهود ، لأنهم ما يزالون يتمسكون بالتوراة ، وكذلك الأمة المسيحية ، وأمة الهندوس ، والأمة الصينية ، والأمة اليابانية ،