وهو المسمى بالمعراج ، وكلها أحداث معقولة وجائزة ، وليس فيها ما هو ضد العقل ، ونحن فى عصر المركبات الفضائية التى تقطع الآماد كالخاطر يأتى الذهن ، فأن يسرى بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم إلى بيت المقدس أمر عادى ، فقد جاءت الرؤيا رابعة العدوية فرأت الكعبة قد أتتها فى محلها فى بغداد ولم تنتقل إليها رابعة من مكانها ، وسليمان أتته بلقيس من اليمن بنفسها وحشمها وخدمها وبلاطها ، وانتقل قصرها إلى القدس ولا تثريب فى ذلك ، وموسى كلّمه الله وكتبت له الألواح بخطه ، ولم نجادل فيه ، وعيسى أحيا الأموات ولا نزاع عليه ، وإبراهيم لم تحرقه النار ، فلما ذا جدال المستشرقين حول الإسراء؟ ولما ذا الإسراء بالذات ولم يجادلوا هذا الجدال فى المعراج فى سورة النجم؟ والجواب أنه بسبب أن الإسراء كان إلى بيت المقدس واليهود يعتبرونه بيتهم ، وجولدستيهر يتساءل : ولما ذا بيت المقدس؟ لقد صار بيت المقدس مشكلة بين المسلمين واليهود من ذلك الوقت ، وتوقع جولدستيهر كل ما يحدث الآن على أرض فلسطين ، وأنه بسبب بيت المقدس سيظل الصراع للأبد بين هاتين الأمتين : أمة الإسلام وأمة اليهود. وهذه نبوءة صادقة ، والمسلمون أعادوا بناء بيت المقدس وعمّروه ، وأحيوا فيه ذكر الله ، وحفظوه وراعوه ، ونبيّهم أسرى به وحج إليه ، فهل يتركونه يعبث فيه اليهود فسادا كما قال المسيح فيهم : مكتوب بيتى صلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص» (متّى ٢١ / ١٣) ، وقال فيه متى واضع الإنجيل : «وأخرج يسوع جميع الذين يبيعون ويشترون فى الهيكل ، وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام» (متّى ٢١ / ١٢) ، والمسيح «شهد شاهد من أهلها» ، وكذلك متّى كاتب الإنجيل «من أهلها» ، يعنى كلاهما أصوله يهودية وقد شهدا على قومهما ، فهل يئول بيت المقدس لليهود مرة أخرى ليكون مزارا سياحيا لا دينيا ، وفرق بين أن يكون مزارا يتكسّبون منه من السياحة ، وأن يكون بيتا لله يصلى فيه المصلون ، ويذكرون الله آناء الليل وأطراف النهار ، وكان كارل ماركس يقول : «إن اليهودى لا يفكر فى الله ، ولا تعنيه الجنة ولا النار ، ولا يشغل اليهودى إلا المال ، فألغوا الملكية والتجارة الرأسمالية تنتهى أسطورة اليهودى واليهودية. إن إله اليهودى هو المال وليس يهوه أو الوهيم» ، ومرة أخرى يشهد شاهد من أهلها ، لأن ماركس كان أيضا يهوديا.
وفى تفسير رموز قصة الإسراء : أن العجوز التى رآها النبىّ صلىاللهعليهوسلم على جانب الطريق هى الدنيا ، وهى عجوز لأنه لم يبق منها إلا كما بقى من عمر تلك العجوز. وأما الذى أراد أن يستوقفه وناداه مرة عن يمينه ومرة عن شماله ، فذاك إبليس ، أراد أن يميل إليه ، وأما الذين سلّموا عليه فإبراهيم وموسى وعيسى ، لأن الإسلام ينبنى على الأخذ بديانات هؤلاء الأنبياء. وأما الصلاة بيثرب كأول محطة فى الطريق ، لأن الإسلام ما كان له أن